أقلام

يعيشون بيننا

حسن المبارك

عون عبدالمحسن البن أحمد من مدينة العمران- قرية أبو ثور
مواليد الأحساء في العام ١٤٠٧هـ شاعرنا في هذه الإطلالة هو عون البن أحمد.


كنت أرى في عون هذا وهو صغير براءة الطفولة وعنفوان الشباب ونباهة الكبير، وفطنة اليقظ حين أراه مستقبلاً لوالده وهو ينزل من سيارتي كل يوم خميس على باب منزل العائلة ونحن عائدان من الظهران بعد غياب أسبوع كامل.
كنت أرى في عينيه: الحكمة، وتحايا حُسن الاستقبال، وعلى وجهه بشاشة الحييّ وحذاقة غير معتادة لمن هم في مثل عمره… لهُ طلة تبشر بشابٍ مختلف: فرَّق بيني وبين والده رحمه الله الموت، وجمعتني بطفل الماضي وشاعر الحاضر القصيدة، تحت تأثير عزف هذه الأبيات في أحد أماسي:

قبل ماتروح
وقبل كفك يلوح
ويعلن اوداعه
ابي منك بقايا وقت
دقايق خلك قبالي
ابي منك ولو ساعة

تأمل
ناظر عيوني
ودمعي المنكسر فيها
ابي كفك يداويها

تخيل
رجفة ايديني
اذا حضنك يدفيها
أنا مالي سوى قربك
يهون يعوفني قلبك
وانا ما ابي سوى ساعه

إذن لم أكُن أضرب الودع ولا أمتهن التنجيم حين رأيت فيه ما رأيت من النباهة حينها.
بل هو بالفعل أصبح شاباً يثير غريزة الحرف، ويفتح شهية الكلمة؛ يهندس الجملة الشعرية بفرجار الإحساس، ويربي صغار حمائمه في عش قلبه، حتى إذا بلغت من النضج أشدها أو تجاوزت عثراتها كما يقول: أطلق أجنحتها للريح.

كنت اضمر في وسط قلبي حمام
من بعد ما طارت من اقفاصها

تلتقط حب الوفا وتشرب سلام
بس طارت من غدر قنّاصها

الشاعر عون البن أحمد موسيقي الإيقاع، سلس الجُملة، قوي العبارة، لِمُفرَدتهِ نواح الثكلى إذا قصد الهجر أو الرثاء، وزغرودة أم العروس إذا أراد التغزل والوصال، صوتٌ شجي وإلقاء متفرد.

شاللي بقى من ذكريات الأمْــس
شاللي حبسته في فضا صدري

ما كنّي عديتك حواسي الخمْـس
وما كنك أول مقصد بشِعْري

من كنت تخلق للسوالف همْـس
أنسنت كل شي دون ما تدري

شاعرنا عون رُبما بلغ مالم يبلغه قرناؤه من الشعراء، حيث لم يتخطى الكثير من الشعراء الشباب التغزل في المحبوبة والوقف على لوعة الفراق، والتودد والترصد للقاء لم يُكتب له النجاح لكبرياءٍ في المحبوبة أو لتَعثُر ٍفي الطريق… إقرأهُ في هذه الأبيات.

أموات نسكن في الضمير الحيّ
جمعى وبعض قلوبنا شتّى

وباغلب ضمايرنا انكتب هالشيّ
“أحياء .. لكن واقعاً موتى

وهنا:
لـمّة خبِز” أشهى ولافيها شتات
تشبع جياع و من فقر تغنينا

ومدة الايادي فيها بعض الامنيات
ترجع ولافيها الذي اتمنينا

نتمنى “حب” و “احساس” في أتعس حياة
وكل أمنية من تنهدم تبنينا

وهذه الرثائية:
لحد اليوم مو مستوعب اغيابچ
اتناسى الفقد ويذكر اترابچ

إلچ فيّه علينا تارسه كل بيت
بخرتي الارواح بريحة اثيابچ

يالمة ضحى والمغرب ابكل يوم
رحتي وشتتيتي لمة أحبابچ

أقرأ الفاتحة العاقدها نص الباب
مثل خيط اعلى كل شبّاچ ظل بابچ

واتلفّت وكل ذكرى عشتها اوياچ
تموتني وثواب اهديچ واحيا بچ

اتناسى صورچ وصوتچ الها اليوم
لحد اليوم مو مستوعب اغيابچ
*****
مُحاولتهُ جادة في السيطرة على مساحة أكبر في مربع الشعر، وحجز مقعده في الصفوف الأمامية بين الشعراء.
كتب الشعر منذ الـ١٥من عمره وخبأ عثراته في دفتر لا يطلع عليه إلا المقربون كما يقول، ولم يُظهر كتاباته الفعلية إلا في العام ١٤٣٣هـ بعد التحاقه بمجموعة النورس بالأحساء وحضوره العديد من الدورات في كتابة القصائد الموزونة.

يقول عنه الشاعر الأستاذ محمد بن ناشي:
عون البن أحمد المتعدد حتى ظننت أنه أكثر من شخص وهو أكثر من إنسان فعلاً

ألتقيت به لأول مرّة قبل سبع سنوات لكي نتناقش في أمور الشعر النبطي ولازلت أحفظ له هذا البيت بالذات:

من كنت تخلق للسوالف همس
والحين منت اللي على خبري !

هذا لايكتبهُ إلا شاعر شاعر وهو كذلك، عون الهارب من الشعر إلى الهندسة الصوتية والتطوع والمشاريع الصغيرة والإنشاد، وكأنه يقول الشعر يأتي ولا يُؤتى.
مسالم جداً ولايدخل في مهاترات وجدالات، ولكنّه محرّض للشعر ومحفّز لمن يُريد أن يبدأ في أن يكتب القصائد الموزونة، لديه ثقافة عالية عن العروض.

– عضو في مجموعة النورس الأدبية الثقافية بالأحساء.
– عضو في ملتقى الينابيع الهجرية بالاحساء
– شارك في عدة أمسيات شعرية في الأحساء وخارجها
– أمسية نوتة شعر بمقهى متحف الناصر بالتهيمية
– مشارك في أمسية “لعيون البحرين” في مملكة البحرين
– فازت قصيدته (قول أحبك) بجائزة أجمل نص عاطفي في مسابقة مجموعة النورس الأبية، والثقافية، والفنية.
له ديوان صوتي بعنوان (لهفة لقا).
من قصيدته:
(ذكريات الأمس)
شاللي بقى من ذكريات الأمْــس
شاللي حبسته في فضا صدري

ما كنّي عديتك حواسي الخمْـس
وما كنك أول مقصد بشِعْري

من كنت تخلق للسوالف همْـس
أنسنت كل شي دون ما تدري

ورد المشاعر في عناق وغرْس
لوّنت أجمل لوحة في عمري

حتى الجماد *اللي وطيته* حس
و سمّى عليك الكوكب الدرّي

لهفة كواكب من تطوف الشمس
بزحمة قُبَـل تتسابق لنحري

كان ..اللقا اللي بعد غيبه عرس
من تسبق الوقت و تجي بدري

صرت الثقيل الإنطوائي النحس
اللي نكرني و ماعرف قدري

سويتِ لي فيها عزيز النفس
وانا عزيز النفس من صغري

كنت الأمل لكن صبحت اليأس
اللي حويته و ما حوى سري

هذا التجاهُـل خَــذْت منّه درْس
ما اظن يعرفه واحدٍ كثري

يا تارس الدنيا بعيوني ترْس
حتى تفاصيلك غزت فكري

أطلق سراح الذكرى منّ الحبْس
مع كلّ صورة كل ألم يطري

بعض الهدايا و اللعب واللبس
باعياد ميلادك تشم عطري

لمّـة لقا صوتك وضحكك ،، بس
كل ذكرياتك خنجر بظهري

توي عرفت ان الحياة بالعكس
دايم (بما لا أشتهي) تجري

شاللي بقى من ذكريات الأمس
شاللي حبسته في فضا صدري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى