التعصب .. التعاون
أمير بوخمسين
ظاهرة التعصب تشمل مختلف الميادين والمجالات الفكرية والثقافية والدينية والرياضية والسياسية، ولا يكاد يخلو مجتمع من هذا المرض. والتعصب يبرز في عدة أشكال مختلفة من خلال التسلط وفرض الرأي الواحد وعدم القبول بالآخر، وهو آفة مدمّرة، بحيث يتحول إلى أولوية لدى البعض في سبيل الدفاع عن النفس ومن أجل إثبات الوجود على حساب الآخر.
وقد يحتل التعصب مركزاً محورياً في بعض الأقليات التي تحاول إثبات وجودها بتعصب أفرادها لها، وكذلك نلاحظه لدى بعض الدول التي تثير العصبيات بين أبناء مجتمعها لإشغاله بالحروب والعصبيات الداخلية بهدف السيطرة عليها، وهذا الأمر يبلغ من الخطورة ما قد يؤدي إلى حروب أهلية، وهنا مكمن الخطورة. فعندما يستشري هذا المرض وتجد له من يشعل شرارته يصبح من الصعب مستقبلاً إنهاؤه أو القضاء عليه لأنه يتحول إلى جحيم يأكل الأخضر واليابس.
وعلى ذلك نرى الكثير من الدول تخصص مراكز أبحاث ودراسات في سبيل الحدّ من هذه الظاهرة ومعالجتها عبر وضع أولويات وطنية تدحض حالات التعصب وتؤكد على الهوية الوطنية.
يذكر ريتشارد سينيت، عالم الاجتماع الأميركي والمؤسس لمعهد نيويورك الإنساني وأستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك ومدرسة لندن الاقتصادية (وحائز على جائزة هيغل عام 2006، وجائزة سبينوزا عام 2010-)، يقول في كتابه الذي ألّفه بعنوان (في مواجهة التعصب – التعاون من أجل البقاء) الصادر عن دار الساقي في عام 2016، ترجمة حسن بحري، الكتاب يقع في 365 صفحة من الحجم الوزيري تناول الكاتب فيها التعصب والتعاون عبر ثلاثة أجزاء رئيسة، الجزء الأول – صياغة التعاون عبر ثلاث محاور: 1- المسألة الاجتماعية 2- التوازن الهش: التنافس والتعاون في الطبيعة والثقافة 3- الاضطراب العظيم: كيف غيّر الإصلاح التعاون، أما الجزء الثاني – إضعاف التعاون: 4- عدم المساواة 5- المثلث الاجتماعي: كيف تردّت العلاقات الاجتماعية في العمل 6- الذات غير المتعاونة، الجزء الثالث: 7- الورشة: الصنع والإصلاح
8- دبلوماسية الحياة اليومية
9- المجتمع المحلي: ممارسة الالتزام.
(يؤكد المؤلف على أن العيش مع بشر مختلفين عنا – عرقياً وإثنياً أو دينياً أو اقتصادياً – هي إحدى أكبر التحديات التي تواجه مجتمعاتنا اليوم. وقد سهّل الاقتصاد والتقدم التكنولوجي تفكّك التعاون مع الآخر ليحل مكانه نوع من العلاقات القبليّة التي تبحث عن حالات تضامن مع آخرين مشابهين لنا، وتعوضها بأشكال عدائية ضدّ من هو مختلف عنا.
إذ أوجدت وسائل التواصل الاجتماعية أشكالاً من التواصل تساهم في تسطيح التعاون وتعزّز الآخرين وتأثير مهارات الإصغاء خلال الحديث مع الآخر، وعلى التطبيق العملي لهذه الاستجابة في ميدان العمل أو في وسط المجتمع. وهناك بالتأكيد جانب أخلاقي للإصغاء الجيد للآخر والعمل بأسلوب متعاطف معه، ولكن التفكير في مسألة التعاون كقيمة أخلاقية فقط يعيق فهمنا.
يمكن أن يكرّس عالم متمرس في حرفته جل طاقته لصناعة أكثر القنابل الذرية فظاعةً، كما ويمكن أن تتعاون مجموعة من الأفراد بفاعلية في عملية سرقة. يمكن أن يكون سبب تعاوننا أن موادنا الخاصة غير كافية للاستمرار بعيداً عن الآخرين. ولكن في علاقات اجتماعية كثيرة، لا نعرف بالضبط ماذا نريد من الآخرين، أو ماذا يريد الآخرون أن نقوم به من أجلهم. يذكر المؤلف لهذه الأسباب جميعها سعيت إلى دراسة التعاون كحرفة، حرفة تتطلب من البشر مهارة في الفهم والاستجابة للآخر، كي نفلح في العمل سوية. لكن التعاون يبقى حرفة شائكة مليئة بالصعوبات ويكتنفها الغموض وتقود في أحيان كثيرة إلى عواقب هدّامة).
قد يتحول التعاون إلى عصبية مدمرة من خلال القيام بأعمال مشينة تخدم عصبة معينة في سبيل البقاء، وقد يكون التعاون إيجابيا يهدف خدمة المجتمع والأمة، وذلك من خلال التعاون على البر والتقوى وليس على الأتم والعدوان.