المسؤولية الاجتماعية و العمل الخيري
موسى صالح الحداد
من تـأسيسات علم الاجتماع ” إن الإنسان اجتماعي بطبعه ، مدني بفطرته ” فهو لا يمكنه العيش إلا ضمن بيئة اجتماعية يتفاعل معها سلباً أو إيجاباً. كما أن عيش الإنسان في مجتمع يعتبر حقيقة ماثلة أبدا وليس له خيار غير ذلك لأنه الدليل على وجوده الإنساني، وينسحب هذا القول على جميع أفراد المجتمع بغض النظر عن ماهيته الوظيفية ضمن إطار محيطه الاجتماعي. كما أن للنفس البشرية ميل فطري لحب الخير والمعروف منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا، لا ينكره أحد. هذا التفاعل المتبادل بين الفرد و المجتمع على بذل الحب و الخير يخلق عند الفرد ذو الفطرة السليمة أحساس بالمسؤلية المجتمعية.
تعرَّف المسؤولية الاجتماعية على أنها منهج أو سلوك ينتهجه الفرد في سبيل القيام بواجباته تجاه نفسه وتجاه المجتمع الذي ينتمي اليه بكل مكوناته ، فهو ببساطه ( ممارسة المواطنة الحقة ) فمتى شعر الفرد بهذا الأمر فإنه سوف يقوم بواجبة نحو مجتمعه .
إن المسؤولية الاجتماعية من المبادئ الجامعة التي تعد ركنًا أساسيًا وهامًا في حياة المجتمعات، والتي اتفقت عليها جميع الملل والشرائع ، والأنظمة والقوانين ، وهي نظرية أخلاقية ، وذلك بأن كل منظمةً أو فرد ، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ، كما أنها من القيم الاجتماعية التي لها دور كبير في صلاح الأفراد والمجتمع على حد سواء. وهي عامة شاملة لكل فرد من أفراد المجتمع ، ولقد حث المربون وعلماء الدين والنفس والاجتماع على أهميتها ، وضرورة الاتصاف بها, كما أقرتها سائر المجتمعات البشرية على اختلاف عقائدهم وسلوكهم . وهي ذات تأصيل إسلامي حيث حث عليها نبينا محمد صلى الله عليه وآله بقوله : ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، و هذا الحديث الشريف هو تأسيس المسؤولية الاجتماعية على نظرية أخلاقية قوامها أن لكل كيان في المجتمع دوراً يجب أن يقدمه لخدمة المجتمع ، وهو ما يعني أن للمسؤولية الاجتماعية صفة إلزامية تقتضي أن يقوم كل فرد بالواجبات التي يتوقعها منه المجتمع في سلوكه لدور معين. و تكتسب المسؤولية الاجتماعية جوهرها كونها مطلباً علمياً وحاجة اجتماعية ؛ لأن المجتمع بأسره وأجهزته ومؤسساته كافة في حاجة إلى الفرد المسؤول اجتماعياً ، فبقدر إحساس والتزام أفراد المجتمع بالمسؤولية الاجتماعية ينعكس ذلك على تطوره ونموه وازدهاره. ويشكل الوازع الأخلاقي بعداً و محفزاً أساسياً في تنمية المسؤولية الاجتماعية ذلك لأنه يشكل الضمير الداخلي الذي يدفع الفرد إلى السلوك. أن أحد أوجه هذه المسؤلية الأجتماعية هو أنخراط أفراد من المجتمع في العمل الخيري.
والعمل الخيري هو كل عمل يقوم به فرد أو مجموعات سواء كان ذلك العمل بدنيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا أو ماديًا أو دينيًا، والباعث له هو احتساب الأجر والثواب من الكريم الوهاب سبحانه، لا يهدف من خلاله لجني ربح أو عائد أو مصلحة شخصية، وهذا أهم ما تميز به العمل الخيرى عن غيره من الأعمال الأخرى ذات الصفة التجارية الربحية البحتة.
وتكمن أهمية العمل الخيري في نشر التكافل والتّضامن الاجتماعي بين الأشخاص، ممّا يُؤدي إلى المحافظةِ على تَعزيز دور القيم الدينية والأخلاق الحميدة في النهوض بالمجتمعات. كما انه يساهم في حماية المجتمع من انتقام المحرومين والمحتاجين وتربية الأفراد على البذل والعطاء ومشاركة الآخرين وتنمية العلاقات الأخوية التي تقوّي المجتمعات.
الى أولئك الذين حملوا راية العمل الخيري، لا يسعنى الا ان نرفع لكم أيات الشكر و الأمتنان اذ جعلتم من أنفسكم جسراً للحب و العطاء. أن كل لحظة تقتطعونها من وقتكم ووقت اهاليكم، وكل جهد تبذلونه في سبيل رفع معاناة جزءاً من المجتمع يعجز أمثالنا ان يشكركم عليه. يكفيكم قول رسول الرحمة عليه أفضل الصلاة و السلام اذ قال (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) كما قال أيضاً: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).