قصة مخطوطة مفقودة لكتاب ”موضح الدراية لشرح باب البداية“
“موسوعة فلسفية للتعاليم الإشراقية من تصنيف ابن أبي جمهور الأحسائي”
السيد علي باقر الموسى
كتب ابن أبي جمهور الأحسائي، في إجازته لتلميذه محمد بن صالح الغروي الحلي، سنة 896 هـ ، في المشهد الرضوي، وكذلك في إجازته لتلميذه الشيخ ربيع بن جمعة الغزي العبادي، سنة 898 هـ ، في مدينة إستراباد[1] ، عندما سرد لهما في الاجازتين مجموع مصنفاته ومؤلفاته، فقد ذكر اسم كتابه“موضح الدراية لشرح باب البداية ”وقد أُشير للكتاب في عدة كُتب، منها كتاب رياض العلماء[2] ، وفي كتاب تعليقة أمل الآمل[3] والذريعة[4] وموسوعة مستدركات أعيان الشيعة[5] ، ولم يذكر مؤلف كتاب فِهرس مُصنفات ابن أبي جمهور الأحسائي[6] وجود النسخة المخطوطة في أي مكتبة، كما هي منهجية كتابه[7] ، وهي دلالة انه لا توجد نسخة مخطوطة للكتاب في أي فهرس للمكتبات المخطوطة التي رصدها المؤلف، إلا ان محقق كتاب“موضح الدراية لشرح باب البداية“ [8] اشار في مقدمة تحقيقه، ان مخطوطة موضح الدراية، تم تعريفها في الفهرس[9] الخاص بمكتبة المرعشي النجفي، تحت عنوان النور المنجي من الظلام، والسبب في ذلك كما يظهر، ان المخطوطة الموجودة في مكتبة المرعشي النجفي، رقم 1/18201، والتي استنسخها محيي الدين الطريحي في يوم الاثنين من شهر ذي القعدة[31] سنة 1076 هـ ، وصححها في 12 ربيع الآخر سنة 1078 هـ، وعدد اوراقها 270 صفحة، بخط النسخ، وفي كل صفحة 22 سطر، قد سقط منها الثُلث الاول من المخطوطة، حيث تبدأ هذه المخطوطة من أواخر الفصل السابع «أقسام كمالات الموجود» [10] ، ولهذا لم يتمكن مؤلف فهرس مصنفات ابن أبي جمهور الأحسائي، من ادراج وجودها ومكان تواجدها في كتابه، واما مخطوطة مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض، فقد فهرست تحت عنوان شرح باب البداية لبداية النهاية، تحت رقم 906، وعدد صفحاتها 336، في 17 سطر في الصفحة، وتاريخ نسخها 26 ربيع الآخر سنة 1311 هـ ، [11] ، وكتب مفهرسها ملاحظاته على المخطوطة، بما يلي ”نسخة جيدة، المتن وبعض الكلمات وبعض الحروف بالحمرة، بعض الكلمات فوقها خط بالحمرة، المطالب كتبت ببعض الهوامش، مجلدة، منقولة عن نسخة كتبت سنة 893 هـ / 1488م، ورد بالهدية عنوان: شرح الباب الحادي عشر، ورود بالأعلام وفاة المؤلف نحو 880 ه/ 1475م، وورد بآخر النسخة انه فرغ من تأليفها سنة 892 هـ /1487م، 1311 هـ / 1893م“ وكانت الحيرة واضحة في مكتبة المرعشي عند فهرستهم للمخطوطة الناقصة[12] ، فقد كتب مسؤولها الدكتور السيد محمود المرعشي باللغة الفارسية، بداية الصفحة الأولى للمخطوطة، ما يلي بعد ان ترجمتها للعربية: شرح توحيد ابن أبي جمهور أحسائي، ”بسمه تعالى، هذا الكتاب في علم الكلام بالعربي، من تأليف محمد بن علي بن أبراهيم بن حسن بن أبي جمهور أحسائي، ونسخها محيي الدين الطريحي سنة 1078 هـ ، على نسخة المصنف وقد قابلها وصححها، هذا الكتاب ليس له وجود وذكر في أي مصدر، وغير معلوم اسم وعنوان الكتاب الحقيقي، ولكن في آخر الكتاب كتب المؤلف اسمه الكامل، ولاشك ان الكتاب له، وليس لغيره، ولكننا نحتاج ان نبحث ونحقق أكثر لاحقاً، حتى نصل إلى اسم وعنوان مخطوطة الكتاب الحقيقي، د. سيد محمود مرعشي، في تاريخ 5 / 5 / 1392 هـ. ش[13] “ ولهذا وبسبب عدم كتابة عنوان الكتاب الصحيح ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ سواء في المخطوطة الناقصة بمكتبة المرعشي أو النسخة الكاملة في مكتبة الملك عبدالعزيز، أصبح الكتاب في قائمة الكتب المفقودة لابن أبي جمهور، وكما اشار محقق موضح الدراية في مقدمته ”كما ان كتاب موضح الدراية يُعد منذ أعوام من بين التراث المفقود لابن أبي جمهور[14] “ ولكن بعد البحث والتحري وتتبع كل مخطوطات ابن أبي جمهور في كل مكان، حتى عناوين النسخ المكررة، أحاول قدر المستطاع أن أطلع وأدقق، حتى أتحقق من اسم المخطوطة أو أي اضافة تُكتب من حاشية أو هوامش أو متملكات أو بلاغات، لذا ومن خلال هذا المسار البحثي، الذي أقوم به في عملي منذ سنوات، فقد عثرتُ على نسخة مخطوطة من كتاب ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ بمعونة ومساعدة أحد الأخوة[15]
حيث كانت النسخة محفوظة في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض، تحت عنوان“شرح باب البداية النهاية“ وبعد مراجعتها والتدقيق عليها والتواصل مع محقق الكتب الفلسفية والكلامية لابن أبي جمهور[16] ، توصلت إلى معرفة اسم المخطوطة وانها هي النسخة المفقودة تحت عنوان ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ فقد تم التعرف عليها من خلال ذكرها في الاجازتين[17] ومحتواها وموضوعها وسنة التأليف، لذا فان النسخة الكاملة لمخطوطة مكتبة الملك عبدالعزيز، قد كشفت الغموض عن النسخة الناقصة لمخطوطة المرعشي النجفي، ومسار تأليفها في مرحلتين، المرحلة الأولى هي تأليف المتن ”باب البداية لبداية النهاية“ في تاريخ 30 / ربيع الاول/ سنة 892 هـ ، في مشهد الامام علي بن أبي طالب عليه الاسلام بالنجف الاشرف، وبعد خمسة عشر يوماً، في تاريخ 15 / ربيع الثاني / سنة 892 هـ ، وفي نفس المكان، تم تأليف الشرح ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ ثم سافر ابن أبي جمهور إلى مسقط رأسه الأحساء، وقد قام بمراجعة وتبيض الشرح من المسودة المعمولة في النجف الاشرف، حيث انتهى من تبيض ”موضح الدراية“ في قرية التيمية بالأحساء، وذلك في ليلة الاحد من العشر الآواخر لشهر صفر سنة 893 هـ ، ثم أتم تأليفه كتابه التالي ”النور المنجي من الظلام“ في تاريخ 3 شعبان سنة 893 هـ ، ثم سافر إلى الحج وبعد الحج، توجه إلى النجف الاشرف سنة 894 هـ ، وفي أواخر جمادى الآخر سنة895 هـ أنتهى من إتمام مسودة كتابه التالي ”مجلي مرآة المنجي“ في النجف الاشرف، ثم غادر إلى خراسان، حيث أنتهى من تبيض مسودة كتابه ”مجلي مرآة المنجي“ في مشهد الامام الرضا ، مع العلم ان بداية مسار ابن أبي جمهور، في التأليف الفلسفي، عندما كان في جزيرة أوال «البحرين» حيث قام بتأليف رسالة فلسفية بعنوان ”البوارق المحسنية لتجلي الدرة الجمهورية“ في تاريخ 23 / محرم / سنة 888 هـ ، علماً انه من تلامذة الشيخ حسن بن عبدالكريم الفتال النجفي «كان حيا قبل سنة897 هـ » وقد أثنى عليه ابن أبي جمهور، وعبر عنه بلسان المتكلمين ومرجع الحُكماء المُتألِّهين، والفتال النجفي قرأ كتاب حكمة الاشراق لشهاب الدين السهروردي، على يد الفيلسوف جلال الدين محمد بن أسعد الدواني «830 – 912»، عندما زار المشهد العلوي في النجف الاشرف، وقد انتهى من قرأته بتاريخ 2 ربيع الاول سنة870 هـ ، وقد ألتمس الفتال من الدواني، ان يكتب شرحاً على كتابه الزوراء، فاستجاب له[18] ، وابن أبي جمهور درس الفلسفة على يد الشيخ حسن بن عبدالكريم الفتال النجفي في الفترة الزمنية، الممتدة إلى ما قبل ذهابه للحج ورجوعه إلى مسقط رأسه الأحساء، سنة 877 هـ ، ونلاحظ هنا تأثره الشديد بالاتجاه الاشراقي، نتيجة تتلمذه على يد الفتال الذي قرأ ودرس الحكمة الاشراقية عند الفيلسوف الدواني في النجف الاشرف، ولهذا انعكس هذه الاتجاه في كتابه ”موضح الدراية لشرح باب البداية“ لذا كتب المحقق رضا يحيى بور فارمد، بعد طباعة الكتاب في اربعة مجلدات، للتعريف بالكتاب، تحت عنوان ”موضح الدراية: موسوعة للتعاليم الإشراقية برواية ابن أبي جمهور، انتشرت الحلقة الثامنة من سلسلة المصنفات الكلامية والفلسفية لابن أبي جمهور الأحسائي، بعنوان“ موضح الدراية لشرح باب البداية”
قام ابن أبي جمھور في رحلته الثانية إلى النجف الأشرف بتأليف رسالة مقتضبة في العلم الإلهي والطبيعي بأسلوب إشراقي وسلوكي، وأسماها «باب البداية لبداية النھاية»، وقد أتمھا بتاريخ 30 ربيع الأول 892 للھجرة. ثم عمد بعد ذلك مباشرة إلى كتابة شرح علىھا، وأكمل ھذا الشرح خلال خمس عشرة ليلة، يعود تاريخ الفراغ من مسودة ھذا الشرح إلى 15 ربيع الثاني 892 للھجرة. وأما مبيضة ھذا الشرح فيعود الفراغ منھا إلى ما بعد ذلك بعشرة أشھر، إذ تم الفراغ منھا بتارىخ 26 صفر 893 للھجرة، وسمى ھذا الشرح ب «موضح الدراية لشرح باب البداية».
يعد ھذا الكتاب ملخصاً للقضايا التي أثيرت في الحكمة الإشراقية حتى زمن المؤلف، والتي تشير بالإضافة إلى موضوعاتھا إلى أھم المسائل الفلسفية عند المشائين والمتكلمين والمتصوفة، ثمّ يتعامل مع نقدھا ودراستھا.
المسار العام لموضوعات ھذا الكتاب تم رسمھا بالعبارات المنقولة في نطاق واسع من «كلمة التصوف» لشھاب الدىن السھروردي و«أنوار الحقيقة» للسيد حيدر الآملي. ثم عمد المؤلف في شرح رسالة الأصل إلى استخدام العبارات من مؤلفات السھروردي وشراحه «كقطب الدين الشيرازي، وشمس الدين الشھرزوري، وجلال الدين الدواني» وكتب محيي الدين ابن عربي وأتباعه «كصدر الدين القونوي، وداود القيصري، وعبد الرزاق الكاشاني»
يشتمل ھذا الكتاب على خطبة، وستة وعشرين فصلاً، وخاتمة. ويمكن الإشارة إلى أھم مباحثه ومسائله كالتالي: الحكمة وأقسامھا، نظرة إلى أھم المسائل في العلم الطبيعي، تجرد النفس وقواھا، مباحث العلة والمعلول، إثبات واجب الوجود وبعض أحكامه، تبيين قاعدتي الواحد والإمكان الأشرف، حركات الأفلاك، مراتب الوجود وتكثر معلولات العقل الفعال، المعاد، النبوة، الشيطان والجن، النسبة بين النبوة والولاية، ممانعة الظلمات عن مشاھدة عجائب العالم العقلي، الفضائل والرذائل النفسانية، ومقامات أھل السلوك.
وكان ھذا الكتاب يعد من الأعمال المفقودة لابن أبي جمھور عند المفھرسىن والمحققين، ولكن تم أخيراً اكتشاف مخطوطتىن منه في مكتبة الملك عبد العزىز بالرياض «الرقم 906» ومكتبة آيت الله المرعشي النجفي بقم «الرقم 18201/1»، فكان عملنا في تحقيق ھذا الكتاب على أساس ھاتين المخطوطتين.
صدر ھذا الكتاب في أربع مجلدات و1620 صفحة، بتصحيح وتحقيق رضا حيى پور فارمد، واعتنى بطبعه ونشره بألف دورة كل من مؤسسة ابن أبي جمھور الأحسائي لإحباء التراث ودار المحجة البيضاء في بيروت.
من الجدير ذكره أن ھذه المؤسسة قد أصدرت إلى الآن سبعة كتب مصححة ومحققة من ھذه السلسلة، وھي: مجلي مرآة المنجي «في خمس مجلدات»، النور المنجي من الظلام «في مجلدين»، شرح على الباب الحادي عشر «في ثلاث مجلدات»، رسائل كلامية وفلسفية «في مجلدىن»، المجادلات في المذھب «في مجلد واحد»، ملحقات رسائل كلامىة وفلسفىة «في مجلدىن»، كشف البراھىن لشرح زاد المسافرىن «في ثلاث مجلدات»، وھي جميعاً من تحقيق ونشر مصحح وناشر الكتاب الذي ببن أيديكم، كما ىجري العمل على قدم وساق على تقدىم باقي المصنفات الكلامية والفلسفية لابن أبي جمھور إلى الباحثين والمحققين في المعارف الإسلامية”
وفي الفترة الأخير وُضع مدخل ابن أبي جمهور، في دائرة معارف الفلسفة في العصور الوسطى، حيث قام البروفيسور ماتيو تيريه، وهو أول مُدخل في موسوعات أروبية يهتم بأفکار ابن أبي جمهور تفصيلاً وعلى أساس تراثه المحقق والمطبوع حديثاً من نشر مؤسسة ابن أبي جمهور الأحسائي لإحياء التراث، حيث كان في السابق، الموسوعات القديمة، يتحدثون عنه باختصار وعلى أساس آراؤه في کتاب المجلي فقط.
وفي هذا السياق، كتب الباحث المحقق الشيخ محمد حسين الواعظ النجف، مايليي ”من أهم مصنفات ابن أبي جمهور الأحسائي الذي بقي مخطوطاً ومغموراً طيلة قرون لشحة نسخه مما أدى إلى خمولها وعدم تداولها بين العلماء، هو كتاب“ موضح الدراية لشرح باب البداية”
وهي موسوعة قيمة وفذة في العلوم الحكمية من الكلام والفلسفة والعرفان، وتعتبر مَثيلة كتاب مجلي مرآة المنجي، بل أثقل منها مادة، وأوسع مطلباً، وأكبر مستوى
وقد كانت نسخ الكتاب إلى العهد القريب غير معروفة، ولم تتوفر أي معلومة عن هذا المصنَّف سوى ما ورد في بعض إجازات ابن أبي جمهور الاحسائي
ولو كانت نسخه متوفرة بين العلماء لما تركوا النقل عنه والعزو إليه في مصنفاتهم الحكمية، فقد سبق المُصنف، المُلا صدرا في المزج بين المناهج المعرفية المختلفة
ومما يثير العجب في هذه الموسوعة، هو وفرة مصادره العلمية، ورجوع المصنف إلى مختلف المؤلفات العلمية لفلاسفة الإسلام وحكمائها، تلك المصادر التي كانت بلا شك غير متوفرة في تلكم العصور، بل أكثرها لم تطبع محققة في عصرنا الراهن، مما يبرهن على سعة أفق المُصنف، وشمولية مصادره العلمية وكثرتها وتعددها على تنوع المعارف والمشارب الفلسفية
إن هذا الكتاب يدل على أن الشيخ ابن أبي جمهور كان – بحق – جامعاً للمعقول والمنقول، على ما اصطلح عليه أرباب التراجم، حيث قام ببراعة وإتقان في المحاكمة بين ما اختلف عليه الفلاسفة والحكماء والعرفاء، وكان له في المسائل الحكمية المختلف فيها رأيه ومذهبه الذي يبتني عليه ويؤول إليه
وقد وقع هذا العالم الفذ موضع الإغفال والإهمال من قبل الباحثين والمؤلفين، حيث تفتقد المكتبة الإسلامية دراسات وبحوث عن هذه الشخصية الفذة، وربما يعود ذلك لعدم طباعة جملة من كتبه ومصنفاته
طُبع كتاب موضح الدراية لأول مرة محققاً تحقيقاً علمياً من قبل الأخ رضا يحيى بور فارمد، ونشر من قبل مؤسسة ابن أبي جمهور الاحسائي لإحياء التراث، فبوركت هذه المساعي في إحياء تراثنا المخطوط
ىشتمل ھذا الكتاب على خطبة، وستة وعشرين فصلاً، وخاتمة. وىمكن الإشارة إلى أھم مباحثه ومسائله كالتالي: الحكمة وأقسامھا، نظرة إلى أھم المسائل في العلم الطبيعي، تجرد النفس وقواھا، مباحث العلة والمعلول، إثبات واجب الوجود وبعض أحكامه، تبيين قاعدتي الواحد والإمكان الأشرف، حركات الأفلاك، مراتب الوجود وتكثر معلولات العقل الفعال، المعاد، النبوة، الشيطان والجن، النسبة بين النبوة والولاية، ممانعة الظلمات عن مشاھدة عجائب العالم العقلي، الفضائل والرذائل النفسانية، ومقامات أھل السلوك..