الدور الاجتماعي للعلامة السيد علي السيد ناصر السلمان
الشيخ عبدالله أحمد اليوسف
لعلماء الدين دور مهم ومؤثر في المجتمعات المسلمة، لما لهم من موقعية متقدمة ومكانة مرموقة في المجتمع، ولأنهم يحظون بثقة واحترام وتقدير أبناء المجتمع.
ويوجد في كل مجتمع شخصيات علمائية بارزة تترك بصمات واضحة في مجتمعها ومحيطها الاجتماعي العام، ويتصفون بصفة العلم وفعل الخير وبذل المعروف والبركة، فأينما حلوا حلت البركة معهم، فيفيضون على الناس مما أفاض الله عليهم من العلم والخير والبركة؛ ومن هذه الشخصيات المباركة شخصية العلامة السيد علي السيد ناصر السلمان، وهو من الشخصيات العاملة والمباركة التي أفاضت على المجتمع بالعلم والخير والمعروف ونفع الناس.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ} أي «جَعَلَني نَفّاعا أينَ اتَّجَهتُ» ، كما روي عن الرسول الأكرم (ص).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) في تفسير نفس الآية السابقة، قال: «نفاعًا» أي مفيدًا ونافعًا للناس، كثير النفع والعطاء.
إن كل من ينفع الناس بجهة من الجهات فهو إنسان مبارك ونافع ومفيد، وإذا اجتمع مع ذلك الأخلاق الفاضلة والعلم الغزير وإدارة المجتمع بحكمة وحنكة واعتدال فإن نفعه يكون عظيماً وأثره مباركًا.
وقد استفاضت النصوص الدينية الحاثة والمحرضة على نفع الناس، وقضاء حوائجهم، ومساعدة المحتاجين منهم، فقد ورد عن رسول اللَّهِ (ص) قوله: «خَيرُ النّاسِ مَنِ انتَفَعَ بِهِ النّاسُ» . وعنه صلى الله عليه وآله، قال: «خيرُ النّاسِ أنفَعهُمْ للنّاسِ» .
ولمّا سُئلَ (ص): عن أحَبِّ النّاسِ إلى اللَّهِ؟ قال (ص): «أنْفَعُ النّاسِ للنّاسِ» .
وعنه صلى الله عليه وآله- لمّا قالَ لَه رَجُلٌ: اُحِبُّ أنْ أكونَ خَيرَ النّاسِ؟
قال (ص): «خَيرُ النّاسِ مَن يَنفَعُ النّاسَ، فكُنْ نافِعاً لَهُم» .
وروي عنه (ص) أنه قال: «الخَلقُ عِيالُ اللَّهِ، فأحَبُّ الخَلقِ إلى اللَّهِ مَن نَفعَ عِيالَ اللَّهِ، وأدْخَلَ على أهلِ بَيتٍ سُروراً» .
وروي عن الإمام علي عليه السلام: «خَيرُ النّاسِ مَن نَفعَ النّاسَ» .
والإنسان العالم العامل بركة، لما روي عن رسول الله صلى اللّه عليه وآله: «البَرَكَةُ مَعَ أكابِرِكُم أهلِ العِلمِ» .
والإنسان المؤمن العامل بركة أيضاً لما ورد عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: «إنّ المُؤمِن بَرَكَةٌ عَلَى المُؤمِنِ» .
وسماحة السيد علي السلمان أحد هؤلاء الأعلام المباركين، ممن يتدفق منهم العلم والخير والبركة، وهذه نعمة كبيرة على المجتمع، يقول تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ}، فالإنسان المبارك مصدر للخير والنماء، ونعمة لمجتمعه ومن حوله، وربما يتجاوز ذلك ليعم خيره وبركته على الأمة جمعاء.
أهم الأدوار الاجتماعية
لا يمكن الإحاطة في هذه العجالة بكل الأدوار الاجتماعية التي قام بها السيد السلمان ولا يزال يقوم بها، ولكن نشير إلى بعضها في النقاط الآتية:
1- التصدي لقضايا المجتمع:
كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية حتى يتطور اجتماعيًا بحاجة إلى قيادات علمائية اجتماعية مؤهلة علميًا وعمليًا تبعث في المجتمع روح الهمم العالية للنهوض به نحو سلالم المجد والتقدم والتطور، ولا يخفى على أحد الدور الرائد الذي قام ولا يزال يقوم به سماحة السيد السلمان في إدارة المجتمع، والتصدي لقضاياه وشؤونه العامة، ولأن العالم ينفع المجتمع بكامله، ويكون مصدر خير ونماء، فإن
فائدته
كبيرة، ونفعه عظيم، ولذا ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: «عالِمٌ يُنتَفِعُ بِعِلمِه، أفضَلُ مِن سَبعينَ ألفِ عابِدٍ» ، وروي عن الإمام الصّادق عليه السلام قال: «عالِمٌ أفضَلُ مِن ألفِ عابِدٍ وألفِ زاهِدٍ» ،لأن العالم العامل ينفع الناس كلهم وينتفعون بوجوده، وأما العابد والزاهد فهو يعمل لنفسه وينفع نفسه فقط.
وفي حين نجد من يفضل الانعزال والانكفاء عن الساحة الاجتماعية لأسباب مختلفة، ويكتفي بأدوار محدودة جدًا وفي أضيق نطاق، نرى أن سماحة السيد السلمان في صدارة من يتصدى لقضايا المجتمع، وما يرتبط به من مسائل وشؤون مختلفة.
ويأتي ضمن الاهتمام بقضايا المجتمع حل مشاكل الناس وقضاء حوائجهم، الإصلاح العائلي والأسري، التوجيه والإرشاد الديني والأخلاقي، استقبال الناس في مجلسه في كل يوم، وغير ذلك كثير.
ومثل هذه الأعمال فيها أجر وثواب جزيل، فقد ورد عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «مَن نَفَّسَ عَن أخيهِ المؤمِنِ كُربَةً مِن كُرَبِ الدنيا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنهُ سَبعينَ كُربَةً مِن كُرَبِ الآخِرَةِ» ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «مَن سَعى في حاجَةِ أخيهِ المؤمنِ فكأنّما عَبدَ اللَّهَ تِسعَةَ آلافِ سَنةٍ، صائماً نَهارَهُ قائماً لَيلَهُ» ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «مَن قضى لأخيهِ المؤمنِ حاجَةً كانَ كمَنْ عَبدَ اللَّهَ دَهرَهُ» ، وعنه صلى الله عليه وآله قال: «مَن قضى لمؤمنٍ حاجةً قضى اللَّهُ لَهُ حوائجَ كَثيرَةً أدْناهُنَّ الجَنّةُ» ، وورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «مِنْ أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ؛ إِشْبَاعُ جَوْعَتِهِ، أَوْ تَنْفِيسُ كُرْبَتِهِ، أَوْ قَضَاءُ دَيْنِهِ» . وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: «إنّ للَّهِ عِبادًا في الأرضِ يَسْعَونَ في حوائجِ النّاسِ، هُمُ الآمِنونَ يَومَ القِيامَةِ» .
وعن إصلاح ذات البين، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ».
2- الحضور الاجتماعي:
يتميز سماحة السيد السلمان بحضور اجتماعي ملحوظ وكبير، ويحرص على مشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم ومناسباتهم المختلفة، وهذه المشاركة الفاعلة لها أثر كبير في قلوبهم ونفوسهم، كما جعلته قريباً من الناس وهمومهم.
ففي مناسبات الفرح والسرور، أو الترح والحزن نرى مشاركة السيد السلمان مع الناس، وبذلك يدخل على قلوبهم السرور والفرح، ويخفف من آلامهم في حالة الترح والحزن، فالإنسان بطبيعته يحتاج إلى تعاطف الآخرين معه في مناسباته المختلفة، وإذا جاءت المشاركة من أهل العلم والشرف يكون أثره كبيراً في النفوس والقلوب، وهو بذلك يبسط نفوسهم ويخفف من آلامهم ويزيد من نشاطهم، ولذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام أنه قال: «السُّرُورُ يَبسُطُ النَّفسَ ويُثِيرُ النَّشاطَ»، وورد عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قَالَ: «تَبَسُّمُ الْمُؤْمِنِ فِي وَجْهِ أَخِيهِ حَسَنَةٌ، وَ صَرْفُهُ الْقَذَى عَنْهُ حَسَنَةٌ، وَمَا عُبِدَ اللَّهُ بِمِثْلِ إِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِ».
وهو بذلك يشجع الآخرين أيضاً على مشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، فالسيد بما له من مقام علمي ومكانة اجتماعية مرموقة يساهم في تنمية هذا الاهتمام بالآخرين ومراعاة مشاعر الناس.
وبهذا يجسد العالم الواعي عملياً وصايا الإسلام في الاهتمام بمشاعر الناس وعواطفهم، فقد روي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «مَن سَرَّ مُؤمناً فَقَد سَرَّني، ومَن سَرَّني فَقَد سَرَّ اللَّهَ»، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «مَن أدخَلَ السُّرورَ على مُؤمِنٍ فقد أدخَلَهُ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله، ومَن أدخَلَهُ على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فقد وَصَلَ ذلكَ إلى اللَّهِ، وكذلكَ مَن أد خَلَ علَيهِ كَرْبًا»، فلا شيء يدخل السرور في قلوب الناس كمنحهم الاهتمام والاحترام والتقدير.
وورد في السيرة النبوية أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعتني بأصحابه أشد الاعتناء، فكان إذا افتقد أحداً منهم ثلاثة أيام يسأل عنه؛ فإن كان مريضاً عاده، وإن كان حاضراً زاره، وإن كان مسافراً دعا له، فقد روي عَن أنَس أنه قال: «كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إذا فَقَدَ الرَّجُلَ مِن إخْوانِهِ ثَلاثَةَ أيّامٍ سَألَ عَنهُ، فإنْ كانَ غائِبًا دَعا لَهُ، وإنْ كانَ شاهِدًا زارَهُ، وإنْ كانَ مَريضًا عادَهُ».
وهذا الاهتمام بأصحابه والعناية بهم يشعرهم بأهميتهم ومكانتهم عند رسول الله (ص)، فلا يترفع عن زيارتهم، ولا يتأخر عن عيادة مرضاهم، ولا يترك الدعاء لمن كان مسافرًا منهم بأن يرجعه الله بالسلامة.
والإنسان بحاجة قوية إلى إشباع الرغبة في التقدير والاهتمام من قبل الآخرين، فمن أشد الحاجات الإنسانية الحاجة إلى الاحترام والاهتمام والتقدير، ومن أعمق الدوافع في طبيعة الإنسان هو أن ينظر إليه على أنه إنسان مهم؛ ويحظى باحترام الناس وتقديرهم، ولذلك فمن يشبع هذه الرغبة في الآخرين يملك قلوبهم، ويسيطر على عقولهم، ويستطيع قيادتهم بسهولة ويسر، وكما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «جُبِلَتِ القُلوبُ عَلى حُبِّ مَن أحسَنَ إلَيها، وبُغضِ مَن أساءَ إلَيها».
وإظهار الاهتمام بالآخرين يولد لديهم مشاعر إيجابية وطيبة ومريحة، ويؤدي إلى زيادة حرارة المشاعر المتبادلة، ويساهم في توليد روح المحبة والمودة والثقة، والشعور بالسعادة والراحة النفسية، وينمي من العلاقات الشخصية والإنسانية مع الآخرين.
3- الانفتاح على الجميع:
من الطبيعي أن تتعدد التوجهات والقناعات الثقافية والاجتماعية في أي مجتمع، فطبيعة الناس أن تختلف في بعض الآراء والأفكار والقناعات لاختلاف الأفهام والعقول، وتضارب المصالح والمنافع، وقد تميز السيد بالانفتاح على جميع التوجهات الاجتماعية، ومشاركة الجميع في مناسباتهم الدينية والاجتماعية.
وهذا الانفتاح واستيعاب مختلف التوجهات الثقافية والاجتماعية يساعد على تمتين الوحدة الاجتماعية، وتقوية التماسك والتعاضد الاجتماعي، وتعزيز قيم التعاون والتآزر والتراحم والتكافل.
ويمكن الإشارة هنا إلى إقامته مجلس عام في ذكرى مولد السيدة الزهراء عليها السلام يضم العلماء وطلاب العلوم الدينية من مختلف التوجهات المرجعية والدينية.
كما أن تأسيسه ورعايته المستمرة لمجلس العوائل في الدمام قد ساهم في تمتين العلاقات الأخوية بين المؤمنين، وتعزيز قيم التعاون والتآلف والانسجام بينهم، وهذا ما نلاحظه من تعاون الجميع في هذا المجتمع الطيب بفضل جهود السيد السلمان ورعايته الأبوية.
4- الارتقاء بالعمل التطوعي:
من سمات المجتمع المتقدم والفاعل كثرة المؤسسات التطوعية والخيرية فيه، التي تساهم في النهوض بالمجتمع.
ومأسسة العمل الخيري والتطوعي من متطلبات هذا العصر، حيث تعتبر المأسسة سمة من سمات عصرنا، ولا يخفى ما للمأسسة من فوائد عديدة، حيث إنها تساهم في تجميع الطاقات، وتنظيم العمل الأهلي، وتطوير إدارة العمل التطوعي. أما العمل الفردي فإنه وإن كان مفيداً ومطلوباً، إلا أنه لا يرقى لتلبية متطلبات العمل الخيري والتطوعي في هذا العصر، كما أنه لا يمكنه ـ لوحده ـ أن يحقق الأهداف المرجوة من قيام مؤسسات العمل التطوعي.
ومأسسة العمل التطوعي خطوة مهمة نحو الارتقاء بالعمل الخيري في المجتمع والنهوض به، ويأتي مشروع العلامة السيد علي الناصر والمسمى (الفحص الشامل في القطيف) في هذا الاتجاه، وسيساهم بإذن الله تعالى في خدمة المجتمع في المجال الصحي.
إن هذا المشروع الصحي يشكل قفزة مهمة في الارتقاء بمسيرة العمل التطوعي في مجتمعنا، فحاجات المجتمع أصبحت متزايدة ومتغيرة، ومجالات العمل التطوعي لا تقتصر على دعم الفقراء والمحتاجين فقط، بل تشمل مختلف مجالات الحياة الصحية والعلمية والبيئية والثقافية وغيرها.
إن هذه المبادرة التطوعية في المجال الصحي من قبل سماحة السيد السلمان ستساهم في تعزيز وتطوير العمل التطوعي في المجتمع، وهي خطوة مهمة وقفزة نوعية في الارتقاء بالعمل التطوعي والخيري في المنطقة.
إن مجالات العمل التطوعي واسعة جدًا ولا يقتصر على جانب دون آخر، بل تشمل مختلف جوانب الحياة، وأن المجتمع اليوم بحاجة إلى مشاريع نوعية وجديدة وإبداعية تخدم الحاجات الجديدة والمتجددة للمجتمع.
وهذه المبادرة التطوعية ينبغي أن تشجع أهل الخير ممن أنعم الله عليهم بنعمه الوفيرة بالمبادرة إلى تأسيس مشاريع نوعية في مختلف المجالات الخيرية والتطوعية بما يعود بالنفع العام على المجتمع كله.
وعلى المؤمن أن يبادر ويتسابق مع الآخرين في فعل الخير كما في قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} ، والمسارعة في فعل الخيرات من صفات الرجال الصالحين كما في قوله تعالى: {وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} .
ومجالات الخير كثيرة، فقد روي عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وآله أنه قال: «الخَيرُ كثيرٌ، وفاعِلُهُ قليلٌ» ، وعلى الإنسان أن يبادر إلى فعل الخير وإسداء المعروف، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَن فُتِحَ لَهُ بابُ خَيرٍ فَلْيَنْتَهِزْهُ، فإنَّهُ لا يَدْري مَتى يُغْلَقُ عَنهُ» . وعنه صلى الله عليه وآله قال: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مِن الخَيرِ ما يُعجَّلُ».
وورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: «بادِروا بعَملِ الخَيرِ قَبلَ أنْ تُشْغَلوا عَنه بغَيرِهِ»، وعنه عليه السلام قال: «افعَلوا الخَيرَ ما اسْتَطَعتُم، فخَيرٌ مِن الخَيرِ فاعِلُهُ»، فالمبادرة إلى فعل الخير، والتسابق فيه من الأمور التي ينبغي الحرص عليها قبل أن يأتي يوم لا يستطيع -لأي سبب كان – فعل أي خير.