أقلام

المبدعون من شعراء الجيل الرابع في (منتدى الينابيع الهَجَريّة) السيد علي باقر الحسن

ناجي الحرز

حكاية (منتدى الينابيع الهَجَريّة) بدأت مبكرًا مع بلدة (التويثير) الوادعة المسترخية على أحد سفوح جبل (القارَة) في الأحساء أو جبل (التويثير) كما يحب أن يشاغب بعضُ أهلها جيرانَهم من أهل القرى الأربع المحيطة بالجبل.

ففي عام 1413للهجرة التحق بشعراء المنتدى من (التويثير) المرحوم السيد علي بن طاهر الحاجي، وفي عام 1414للهجرة سعدنا بانضمام كوكبة من شبابها الشعراء دفعة واحدة، وهم: السيد علي محمد الحاجي رحمه الله، والسيد إبراهيم محمد الحاجي، والسيد طالب عدنان الحاجي حفظهما الله، وكان لهذه الكوكبة خصوصية الارتباط الوثيق والتعلق الشديد بالمنتدى وبمؤسسه، فقد كان وقت لقاء المنتدى الأسبوعي لا يكفي ذلك الارتباط وذلك التعلق، فكانوا لا ينقطعون عن زيارتي أيام (مكتبة الجواهري) ـ أحد مشاريعي المتعثرة ـ أحيانا مرة في الأسبوع وأحيانا أكثر من مرة بإلحاح وتحريض من السيد علي الذي افتقدناه في ريعان شبابه إثر حادث مروري عام 1427للهجرة.
وفي عام 1426للهجرة سعدنا بانضمام السيد حسين بن علي الحسن الذي سرعان ما أصبح من (العشرة المبشرون بالشعر)  ضمن أجمل عشر تجارب شعرية شبابية آنذاك حسب كتاب (شعراء قادمون من واحة الأحساء)  الذي أصدرتُه عام 1429للهجرة.

ولم ولن ينقطع الود بين المنتدى وأهل هذه البلدة الطيبة عبر علاقات وطيدة بأهم رجالاتها، وعبر إقامة بعض فعاليات المنتدى فيها، وعبر المشاركة في تأبين بعض رموزها الراحلين، حتى حظينا بسعادة وشرف انضمام فارس هذه الحلقة السيد علي بن السيد باقر الحسن الذي يمكننا اعتباره اختصارًا وافيا ورائعا لتجارب من سبقوه من شعراء (التويثير) المبدعين واختصارًا وافيا أيضا لمودتهم وارتباطهم بالمنتدى، فكأنني به يغتصب نفسه اغتصابا حين مغادرة المنتدى بعد انقضاء وقت اللقاء الأسبوعي، وكأنه يتمنى أن يمتد وقت ذلك اللقاء إلى مالا نهاية.

السيد علي المولود عام 1420هـ، بدأ محاولاته الأولى لمعاقرة كؤوس البيان في سن الثالثة عشرة، ولم تكن بدايته مع الشعر بداية رتيبة، فقد بزغ بدرًا مكتمل الألق ليحصل على المركز الأول في مسابقة (الشاعر الناشئ) من ( نادي الأحساء الأدبي) عام 1438للهجرة، والمركز الأول في مسابقة (المهارات الأدبية) فرع الشعر على مستوى تعليم المملكة للمرحلة الثانوية في العام نفسه.
عندما قرر السيد علي دخول المضمار شاعرًا وعاشقا، اتجه مباشرة إلى سادن البلاغة وأمير البيان وسيد الفصحاء، يطلب منه الإذنَ وياله من وقوف على باب عليٍّ عليه السلام:
إيه يا سادن البلاغة هَبني
نقطةَ ا لباء علني أستفيقُ

وقد وهبه سادن البلاغة نقطة الباء ليكون مستحقا لشرف الانحناء أمام سيد الخلق محمد صلى الله عليه و آله ليطفىء بعض ظمئه، وليزهو الورد والنعناع بين حناياه:
لهديل روحـــــكَ نغمـــــةٌ وشعاعُ
وعلى مداهــــا يُضبـــــط الإيقــــــــاعُ
ياسيد الآيات خُــــذ بمسامعـــــــي
ضاقت بقلبي في الهوى الأضلاع
في هَـــدي وحيِـــك كوثــــــرٌ متدفــــــقٌ
يجـري فيزهـــو الــــورد والنعناعُ !

وبعدما أروى شاعرنا ظمأه من كوثر جده صلى الله عليه و آله كانت البوصلة حينئذ عطش الحسين عليه السلام وكانت الجهة كربلاء:
عمّدتنا نخلاً وعشقك سوسنةْ
يامَـن غزلــتَ لنا شعـــاع الأنسنــــةْ
كالضوء تختزل المسافـــــة عابــــــرًا
نحو الخلود فلا تحــــدّك أزمنــــة
حقا هتفتَ: أما لنا من ناصرٍ؟
فإليك أسمـــاع المجــرّة مُذعِنــــــة
للآن .. أصـــــداء الهتــــــــاف تهزنــــــــا
شــقّ الفـــــــــؤادَ لهيبُــه واستوطنـه
يامَــن أحلــــتَ لنا الفنــــــــــاء خرافـــــة
الموت شيد من خلودك مدفنة
لما انحيتَ على السيوف بكربلا
ونهضـــتَ بالإنسان عمـــا أوهنـــــــه

ولا بد هنا من أن يستريح الشاعر في ملكوت أم الحسين وأم أبيها مولاتنا فاطمة عليها وعليهم الصلاة والسلام فهم فاطمة:
باسم (البتول) تعَمْلَقَـــــت أغصانـي
واخضرّ حقــل العشق في وجدانــي
لم أستفق من سكرة العشق الذي
أرســـــى سفينتَــــــه علـــى شطآنــــــــــــي  !
(زهـــــــراء) يا رئـــــة السلام تنفسّتــــــــكِ
.. حروف شعري  ..فاقبلـي قرباني
(عمّار) في الولع الشفيف معلمي
وإليــك (سلمانٌ) حدا سلمانـــي  !
ملكوتـــــك المُــلــقـــــى عَلــــــــي رداءه  ..
ختـــــــمٌ سمـــــــــاويٌ علـــــــــــى إيمانـــــــي !
إي وربك يا علي فإن ميزانك في هواهم من  أرجح الموازين، وهنيئا لك
ولكل عشاقهم هذا الحب الهاشمي الذي تقاسمته معهم فأطلق جانحيك في رحاب القدس والطهر بين يدي الإمام العسكري عليه السلام:
نضيـــــــدُ العشــــــقِ مُحمــــــرًّا جَـنـيّـــــــــا
تقاسمنـــــــــاه حُبّـــــــــــا هاشميـــــــــا .. !
من الجسد الثقيل أرحت روحي
لأطلـــــــقَ فـــــــــي رحابـــــــكَ جانحيّـــــــــا

ومن عشقٍ إلى عشق، ومن وجدٍ إلى وجد، ومن حكاية إلى حكاية يطوف بنا الشعراء لنرى بأم أعيننا ولنلمس مواقع السهام في أفئدتهم ومكامن الحنين في أكبادهم، حتى وإن كانوا (يقولون مالا يفعلون) وحتى وإن كانوا يجارون ويبارون أكابر الشعراء العشاق في حلبة الغزل التي فيها تتجلى إمكانياتهم الإبداعية ومدى امساكهم بزمام اللغة، كما فعل شاعرنا الجميل في هذه القصيدة التي سنحلق في بعض أبياتها معه حتى غاية النشوة:

رمانتان .. وجيدٌ .. وارتعاشـــــــــاتُ
ولهفةٌ .. لم تعرقلهــــا المسافـــــــات
ورقّــــــةٌ تتهـــــادى كالنسيــــــــــــم علــــــــــى
أغضان قلبـــــي فتغريـــــه الغوايــــــــات
وليلـــــة من ليالـــي الوصل ساخنــــــة
بها تغنّـــــــــت مع العــــود الكمنجــــــــات
وشاعر باحث في الروح عن شغف
للانهايـــــــــــــة .. فالدنيــــــــــا اكتشافــــــــــات
ما عدتُ أحتمـــــــل التحليــقَ توريـــــةً
لن تنصف الصب ياصاح المواراةُ
والاستعـــــارات .. لا أهــــــــلاً بطلّـــتـــهـــــــــــــــا
ما أغنت الخافق المضنى استعارات
لا بُــــــــــد مِــــــن رميـــــــةٍ للنّــــــــــــرْدِ صائبـــــــــــــــــة
مهمـــــــــــــا تمــــــــادت عَلـــــــيّ الإحتمــــــــالاتُ

وبمثل هذه الموهبة الثرية وبمثل هذا الإصرار على التألق يستمر أحفاد طرفة بن العبد وسفيان بن مصعب العبدي والشيخ علي بن المقرب في إدهاش الأذواق والقلوب، ويبقون متربعين على عرش البيان ما بقي الدهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى