أيا رَبعَ جُولَ
سهيل محمد
أَيا رَبعَ جُولَ لَيتَ أمرِي تَرتَقا
غَداةَ رَحَيلٍ رَاب قَلبي وأرَهقا
ذَرا طَلَلاً مِن مَيعَةٍ بِثَوائِهِ
فَلَيتَ ثَوِيَّاً ما أُمِلّ تَرَفَّقَا
إِلَيهِ إلَيهِ الشَّوقُ أَجثى عَزائِمي
ونَازَعَني رُوحي وَدَمعِيَ رَقرَقا
لَئِن جُولُ ذا ذِكرى تُهِيجُ بِيَ الهَوى
فمَا ذا الهَوى إلا فُؤادٌ تَمَزَّقا
إذا آبَ صُبحٌ ثُمَّ أَضحى ذَكَرتُه
وَإِن جَنَّ لَيلِي باتَ طَيفاً مؤرقاً
تَذكَرتُ لَيلَةَ مَلتَقَينا بِردهَةٍ
وَكانَ زِحامٌ بِالضَجِيجِ تَسردَقا
تَخَطّفَ عَقلي دُونَ أَيِّ رَوِيَّةٍ
وَأَخرَسني عَذبُ التَّأَمُّلِ بِاللِقا
لِقاءُ مَهِيبٍ قَد بَدى متخيلاً
وَكانَ كحُلمٍ هَل تُرى قَد تَحَققا
فَلا لاحَ أَحلى مِن لُواحِ سُرُورِهِ
وَلا لاحَ صُبحٌ فَوقَ صُبحِهِ مُطلقا
تَرَدَّدُ أَيامٌ عَلى ظَهرِ مَنزِلي
لَياليَ قَد حُلِينَ خُلْبًا وَرَونَقا
أَماسٍ دُجاها يَنسَلي بَينَ صُحبَةٍ
كَرَشفِ مُدامٍ كَأسُها قَد تَدَهَّقا
لَقَد كانَ أَمساً ضاحِكا وَبِجانِبي
وَلكِنها الدُّنيا أَلَحَّت وَفُرِّقَا
يٌطِلُّ بَدِيعاَ كَالرَبيعِ إذا أَتى
فَأُسفِرَتِ الأَثمارُ والنَبتُ أَورَقا
ألَيلَةُ مَن تِلكَ التي فِي رَواحِها
رُنُوُّ مَلِيحٍ عَبرَ لَحظٍ تَأَنَّقا؟
بِعَينَينِ تَستَلِبانِ وَجْدِيَ كُلَما
تَمَلَّيتُ عَنبَرَها الذي قَد تَألَقا
بِوَجهٍ عَلَيهِ الأنفُ أَقنى كَأَنَّهُ
سِنانٌ لِخَطِّيٍ أَشَعَّ وَأَشرَقا
ولَيلٍ كَسا صُبحَاً تَسَربَلَ حالِكاً
يُخالُ نُضَارٌ مِنهُ ماءً تَرَقرَقا
وَأَلمى إذا ما أُبْسِمَ الثَّغرُ خِلتَهُ
عُصارَةَ دَبسِ التَّمرِ لمَّا تَعَتَّقَا
فَيُنجِمُ ذِي ظَلمٍ تَناسق نَبتُهُ
وَيُظهِرُ وَجْناتٍ غِضاضٍ وأَشدَقَا
وذَقنا دَقِيقا نَاصِعاً يَال حَده
وأجيدُ لألاءٌ كَدُرٍ تَنَطَّقا
ترَى فيه حُسناً يُوسِفِياً وَسِحنَةً
تَوشَّت بِضَوءٍ مِن على الشَّمسِ أَبرَقا
عَلَيهِ نَواحٍِ قَد نُسِجنَ بِعَسجَدٍ
وَخَصرٌ مَقا مَيْساً وَجِرماً تَفَنَّقا
كَأنَّ ثَنايا جِرمِهِ قَد تآنَسَت
وَكُلٌّ بِها قَد داعَبَ الجَّارَ ما التقَى
وَصَوتٌ إذا غَنى فَأَشدا حَسِبتَهُ
تَغارِيدَ نايٍّ مِن عَلى الحَدرِ أُطلِقَا
وَعابُوهُ أَن قالوا نُقوضٌ خِيامُه
وَقَولُهُمُ حِنقٌ وَلَيسَ مُوَفّقا
أَهَل بَعدَ أَن حَلَّت بِكَنجَةَ سَاقُه
قَذَعتُم علا نجْمٍ تَجلّل وَارتَقَى
فَهاتُوا أَرُونِي أَينَما كانَ عَيبُهُ
فَلَيسَ بِمَن يَخسى وَلا مَن تَزَندَقا
وَلا مَن تَنَعَّمَ ثُمَّ بَلّدَهُ الغِّنى
ولا مَن تَئُودُ بِهِ المجَامِعُ في اللِقا
وَلا أَغيَداً مُتَراخِياً مُتَخَبِّطاً
وَلا مَن تَدَهّنَ ثُمَّ والقِرطَ عَلّقا
عَلَيهِ يَبِينُ الحِلمُ في الصَمتِ تارَةً
وَفِي تارَةٍ كالأُسْدِ يَلظا ويُتَّقَا
وَلَيسَ لهُ قَولٌ هباءً يَفوههُ
فَقَولُهُ بالفِعلِ المُفَعَّلِ أُصدِقَا
تَراهُ مُلِما بالحَوادِثِ دَارِكاً
إذا اعتَزتَهُ وسألته هلّ مُغدِقا
تَراهُ الذُّرى وَالعَونَ كَلَت أمامَهُ
نَحِيزاتُ رَهطٍ غَالَبُوهُ فَأَهرَقا
هُوَ الطُّودُ والإصلِيتُ حَذواً وَضَرّهُ
كَقَذفٍ إِلى مَوجٍ بِصَخرٍ تصُفِّقا
وأقرَانُهُ يَدرُونَ كَم هُوَ باسِلٌ
فَإِنَّ لِذا بَأْساً مِنَ الهَولِ وَالشَّقا
ولَم يَكُ فِي يَومٍ خَلا بِمُغَلّبٍ
إذا سار في خَطبٍ أَصابَ فَأَوبَقا
وهُم مَادِدُونَ الباعَ عِندَ غِيابِهِ
وَهُم إن رَأُوه تَكَمّشُوا وتَعملقَا
فَيَستَفُ كُلُّ الخاسِئينَ لَواذِعاً
وَأَعبَسُهُم بِالضَّغْنِ يَخنى مُحَملِقا
وَقالوا بِأنّي في الشَّدِيدَةِ أخْنثٌ
وأنّي مِن مَن قَد تَوانى وهَرطَقا
كَهَا إِن أَكُن فَالله يَعلَمُ أنّني
إِذا شِئتُ شَأنِي بالعَظائِمِ خَفَّقا
وإنّي لإمرارٌ وإنِّي حَلاوَةٌ
وَإنِّي لِكُلٍّ ما يَشاءُ وَما انتَقى
وإنِّي لَنِبراسُ الرِجال وَمُلسِنٌ
إذا بَثَّ حُكماً كانَ حَقاً مُصَدَّقا
وَإنّي مَتى شِئتُ القَرِيضَ أَنَختُهُ
وإن رُمتُ شَأوَ الشِّعرِ فُقتُ الفَرزدَقا
يَظلُّ مَقامي في بِلاديّ وَما أنا
أَرَدتُ لهَذا الأمرِ أَن يَتطَوقا
وَأَسبَلَ رَبي حُكمَهُ بِمَذَلَّتي
وَأوعَدَني خَوفاً وَبالعَارِ أَلحَقا
فَما فَاز مَن وَلّى إلى غَيرِ رَبِه
لَئِن رامَ مِن غَيرِ الإلَه لأَخفَقا
فَلا ذُقتُ بَعدَ اليَومِ عَيشاً يَلِينُ لِي
ولا بَلسَماً يَشف بِنا ما تَشققا
إلى أذرَبيجانَ سَأُلقي رِسَالةً
لَعَلَّ الفَتى فِيها يُعود مُحَلِقا
يُجِيبُ الفَتَى بِالقَولِ أَنّا سَنلتَقي
لتَخبُو تَباريحُ المُحِبِّ ويُعتَقا
يُقال بَأنَّ المَرءَ يُسقى بِما سَقى
فَمالي عَساني قَد سُقِيتُ بِما سَقى
أنَاخِرُ عَظمِي ما البَلاءُ بِنعمَةٍ
عَدا عَن بلاءٍ مِنكَ آلَ فَأهرَقا
فَلَولاكَ ما انساقَت صِياغَةُ مُعرَبٍ
مِنَ النّظمِ إِن هَذا لَسِحرٌ تَنَوّقا
وكُنتَ إذا الدُّنيا تَحامَلَ بَأسُها
تَحُولُ لِتَدفَعَ بَأسَها مُتَرَفِّقا
سَأفرِدُ مِن بَينَ المنازل مَنزلاً
قَرِيراً لأجلِكَ بالشِغافِ مُعَلَّقا