المصاب الأليم في رحيل رجل العلم العظيم!
سلمان أحمد الجزيري
قال تعالى:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
[سورة المجادلة 11].
أصعب ماعلى الإنسان أن يتحدث أو أن يكتب عن رجل هو أكبر منه بمراحل كثيرة ، أو أن يسعى ليسطر مايمكن عن شخصية كبيرة في كل مجال وفي كل اتجاه. ذلك هو الحديث نفسه عن رجل عظيم بحجم سماحة العلامة الوقور فضيلة الشيخ/إبراهيم بن عبدالله الخزعل، أحد رجال الدين الكبار، وأحد العلماء على مستوى الأحساء، والمنطقة الذي عرف عنه التدين وحسن الخلق والتواضع والوقار والالتزام منذ صغره.
– وفي الحديث الشريف: (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء) م/الخصال.
فقد وفقه الله تعالى لأن يكون أحد عمالقة رجال العلم والفضل في محافظة الأحساء خاصة، والمنطقة بشكل عام، ووفقه أيضًا أن يكون أحد خدامهم فقد ألف عدد من الكتب والأشعار في حق (آل البيت عليهم السلام) حيث كان دائم القراءة والبحث والاطلاع على تراثهم العظيم.
كما أنه جعل منزله المبارك محط رجال العالم وطلبته فقد كان مفتوحًا للجميع في كل يوم صباحًا للضيافة العلمية وعلى مدى سنوات طويلة.
ولذلك كان رحيله المؤلم خسارة كبيرة للعلم والعلماء. والمجتمع، مما يصعب تعويض غياب أمثاله.
والحديث حول سماحة الشيخ يحتاج إلى كتب وليس لمقالة عابرة من تلميذ بسيط جدًا في مدرسته التي تعلمنا منها الكثير والكثير، مما يصعب حصره.
ولكن سوف نوجز الحديث عنه في عدد من النقاط المهمة التي كان للشيخ دور بارز ومهم فيها.
وهذه أهم النقاط:
١ – المنبر الحسيني الذي تشرف بارتقاءه قبل (٦٠ عامًا) تقريبًا منذ كان يافعًا صغيرًا في الخامسة عشرة، ومنه علم الناس منزلة (آل البيت عليهم السلام) ومحبتم، وكان يقرأ في اليوم مابين (٨ – ١٠) مجالس لشدة تعلقه بالإمام الحسين عليه السلام، كما علم طلبة العلوم الدينية فنون الخطابة وأشكالها.
٢ – تعليم الصلاة والأحكام الفقهية، فقد ساهم في تعليم المجتمع كيفية أداء الصلاة الصحيحة منذ زمن طويل، وكان يطرح الكثير من المسائل الشرعية في الصلاة، والصيام، والخمس على وجه الخصوص وغيرها من الأحكام.
٣- فريضة الحج، فقد كان ساعيًا وحريصًا على أداء فريضة الحج لبيت الله الحرام، وتعليم الحجاج جميع الأحكام رجالًا ونساء. لم يكل ولم يمل، وكلن من الموفقين لاداء الفريضة حتى آخر أيام حياته.
٤- عقود الزواج التي عقد فيها على معظم شباب البلدة وماجاورها من القرى، فقد كان له الفضل في الجمع بين كل زوجين على سنة الله ورسوله.
٥- تعليمه القراءة والكتابة لعدد كبير من الشباب صغارًا وكبارًا، حتى آخر حياته، وفي كهولته حيث كان يسعى لمعالجة الأمية ومحو آثارها في البلدة.
٦- تدريسه لعدد كبير من طلبة العلوم الدينية، حيث كان يدرسهم كتاب قطر الندى والرسالة العملية والمنبر الحسيني. وقد تخرج على يديه الكثير منهم.
وأما دوره الإجتماعي فهو كبير جدًا:
١- كان حريصًا على لمّ شمل الوحدة الإجتماعية، والبعد عن الشتات والفرقة. وطوال سنوات خدمته اجتماعيًا لم يسجل له موقفًا سلبيًا واحدًا رغم حصول عدد كبير من المشاكل الإجتماعية.
٢- كان ايجابيًا مع جميع الناس، وكان يجتهد ويسعى في حل مشاكلهم العامة والخاصة، مع مختلف الطبقات دون ميل أو تحيز لأية أسرة أو شخص أو اتجاه معين.
٣- لا ننسى أنه كان أحد المؤسسين لصلاة الجماعة في (مسجد سليم)، حيث انطلق بالصلاة جماعة من بيته مع مجموعة من الشباب ثم اتجه للمسجد وأحياه بالصلاة فيه وطرح عددًا من المسائل الشرعية لمدة (٤٠سنة) تقريبًا. وكان من حرصه أنه كان يرجع ليصلي بالنساء جماعة في بيته أيضا.
٤- كذلك كان من المؤسسين لحسينية (آل البيت عليهم السلام) بإنشائها والقراءة فيها، وكان له الدور الكبير في إرساء قواعدها، حيث نقل الناس من خلالهما من الجهل إلى نور العلم وكم تعلم على يديه الكثير من الرجال والنساء من خلالها فجزاه الله تعالى خير الجزاء.
٥- كما نذكر له هنا بعض الأدوار الإجتماعية المهمة حيت لم يكن من المؤيدين لإقامة صلاة الوحدة في البلدة لكي لايحرم بعض المؤمنين من صلاة الجماعة، إما لبعد مسافة أو عدم رغبة البعض في الصلاة خلف أحد الأئمة.
٦- كان يقف مع المؤمنين في كل موقف فيه مصلحة دينية واجتماعية، وكان يتصدى لكل من يسئ للمؤمنين عمومًا بكل جدية وحزم مهما كان ذلك الموقف، ومن يقف وراءه. وهناك شواهد كثيرة على ذلك يصعب حصرها.
٧- كما كان حريصًا على الاهتمام بالمسجد، والحسينية رغم انقطاعه عنهما لظروفه الصحية. وكان أيضًا حريصًا على السؤال عن جيران المسجد وعدم إيذائهم، حتى أنه رفض إنشاء دورات المياه عندما علم بانزعاجهم منها، ووقف معهم مساندًا لهم رغم حاجة المسجد لها، ولكن إنشاءها يؤذي الجيران.
وقد حظي سماحة الشيخ الفاضل/إبراهيم باحترام الجميع بدءًا من أكبر رجالات الحوزة العلمية، ولأصغر طالب علم، وكذلك جميع أفراد المجتمع على اختلاف توجهاتهم.
وعاش سماحته عزيزًا تقيًا ورعًا مؤمنًا..
ورحل إلى الرفيق الأعلى وفي نفوس كل المؤمنين *(الحسرة والألم على فقده فقد ترك سماحته فراغًا كبيرًا يصعب ملؤه)*
رحل ولم يترك له حقًا أو طلبة مع أحد من الناس .. لذلك من يسعى لأن يختصر فضيلة الشيخ في كلمات بسيطة فهو واهم لأن إنجازاته هي من تتحدث عنه،وآثاره هي من تحكي عن جهوده العظيمة.
فقد اختاره الله تعالى (يوم الأربعاء ٢٠شعبان ١٤٤٣)
هانئا سعيدا بعد رحلة كفاح طويلة عامرة بالجد والاجتهاد في طلب العلم، وفي مسيرة محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين حشره الله تعالى معهم ومع من أحب من الأنبياء والصالحين.
رحمه الله برحمته الواسعة .. وإنا لله وإنا إليه راجعون والحمدلله رب العالمين.