أقلام

حالة حب

سهام البوشاجع

ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها كلمة “الحب” لتصاغ بحقها الكلمات والمعاني والتعريفات والسمات، بل تكاد تكون من أقدم ما تم تناوله بين الكثير من الكتاب والشعراء، والنقاد، وصناع القرار، وغيرهم.
ما الحب؟ لو سألتك أيها القارئ هذا السؤال، فما عسى أن تكون إجابتك؟

من الممكن أن تكون إجابتك هي إحدى الإجابات التالية:
هو حالة من العطف والاهتمام بالآخرين كما يقوله معظم الناس حولنا ، وهو مجموعة من المشاعر المعقدة التي تنتج عنها العديد من التصرّفات والأفكار المنسوجة بعواطفٍ قويّة، تحكم المرء وتُسيطر على كيانه وإحساسه كما يراه العاشقون والرومانسيون.

وهو عِبارة عن جسدين وروح واحدة كما عرفه العالم الفيلسوف “أرسطو”.
لقد حظيت مفردة “الحب” كما أشرت بتعاريف عدة في كتب كثيرة كلها تحكي من منظورها الخاص عن أنها حالة فريدة جميلة تبعث على الراحة والأمان في لفظها أو تقمصها أو في لحظات الانغماس بها.

إذاً لماذا نكتب دائما عن الحب؟ سؤال طرحه العديد من الناس وما زال الكثيرون يطرحونه دائما، ليس كل ما نكتبه يمثلنا، فنحن في الجمال كالأوعية تمتلئ حتى تفيض وهي سعيدة، ونحن في العزيمة والإصرار كالفأس يقطع ويشذب كل شاذ أو معوج، ونحن في القناعة، كالسفن العتيقة راسية على الشواطئ منتظرة لحظة الإبحار.
نحن كتلة من المشاعر الفياضة التي لا تمل أن تحكي عن الحب وجماله حين يحل زائر أو صاحب مقام على الأشياء.

فالحب من الكلمات العتيقة والجديدة، والتي ستستمر في التجدد ولن تندثر مع مرور الزمن، كأغلب الكلمات أو المفردات، لو اندثر ما تشعر به الأم نحو صغارها لاندثر الحب، ولو اندثر أمان الطفل في حضن أمه لاندثر الحب، ولو اندثرت كلمات الغزل بين المحبين لاندثر الحب.
لو لم نحب ما نقوم به لما صلينا، ولو لم نحب لما اشتغلنا لكسب لقمة العيش ولما درسنا حتى تخرجنا ولما نظفنا ما نعمل على اتساخه، ولما أكلنا حين نشعر بالجوع، والقائمة تطول، لا تقل لي بأن الحب حالة نسبية هنا وأن ليس للحب دافع في الأكل أو النظافة أو العمل، إنما تحكمها معايير أخرى لا علاقة لها بالحب، أنا معك أنها تحكمها معايير أخرى، ولكن من ضمنها حالة حب.

لو لم تكن في كل أعمالنا “حالة حب” لما استشهدت قبل أيام “شيرين أبو عاقلة” على سبيل المثال وهي تؤدي عملها في تغطية أحداث حرب استمرت لسنوات طويلة صد عنها من صد ومل من تكرارها الكثيرون ويأس عن ولادة فجر انتصارها آخرون.
إنما هي حالة حب لما قامت به من تغطيات سابقة وما وصلت إليه في آخر تغطية حتى أصيبت واستهدفت في موقعها.

شيرين أبو عاقلة صحفية تعمل لقناة الجزيرة القطرية ولدت في القدس 1971 وتبلغ من العمر 51 عاما، من عائلة تتحدر من مدينة بيت لحم.
نذرت نفسها لخدمة القضية الفلسطينية من خلال تغطيتها للكثير من أحداث الحرب فيها مع إسرائيل، وذلك بالتواجد الفعلي في مواقع خط النار دون أن تهاب أسنة الحرب ورصاصها إلى أن اخترقت إحداها رأسها في مهمتها الأخيرة واستشهدت وهي محبة راضية عما تقوم به.
لو لم تكن أعمالنا حالة حب لما تبرع الشاب السعودي “وليد القحطاني” بكليته لطفلة لا يربطه معها أي علاقة قرابة ولا معرفة، وتكبد عناء الفحوصات التي استمرت خمسة أشهر حتى تمت العملية وتكللت بالنجاح.
لو لم تكن في كل أعمالنا حالة حب لما كتبنا عن حالات الحب.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى