الملامح الذاتية والموضوعية في شعر السيد هاشم الشخص
محمود المؤمن
عندما تصفحتُ ديوانَ (بلابل وأبابيل) للسيد أبي ياسر، استوقفتني كثيرًا مقولةُ السيد عدنان العوامي في تقريضِهِ:
((أتركُ الرأيَ للقارئِ المتذوقِ فحسبي به حاكمًا للديوان لا عليهِ))، ولكي أكونَ منصفًا لم أستطِعْ أن أمرَّ مرورَ الكرامِ على الديوانِ، فأعدتُ قراءتَهُ أكثرَ من مرةٍ و حاولتُ جاهدًا أن أستنطقَ القصائدَ لا من مطالعِها فحسب، بل توغلتُ فيها حتى أصبحتُ أسيرًا وأيقنتُ صدقَ ما تفوَّهَ بهِ الشاعرُ الكبير جاسم الصحيح ((عندما تدخلُ قصيدةُ السيدِ هاشمِ إلى قلبِ القارئِ لا تَخرجُ منهُ إلى الأبدِ )) وهذا ما حصلَ بالضبطِ
الملامحُ الذاتيةِ والموضوعيةِ في شعرِ السيد هاشم الشخص أبي ياسر
الملامحُ الذاتية:
تنقسمُ إلى ثلاثةِ محاورٍ
المحورُ الأول: الاعتدادُ بالنفسِ والاعتزازُ بالانتماءِ
للدوحةِ الهاشميةِ :-
يقول الناقدُ والشاعرُ القديرُ علي طاهر البحراني
((الشاعرُ السيدُ هاشم الشَخص شعرُهُ هو، وهو شعرُهُ تستصحبُ وأنتَ تسمعُهُ أو تقرؤهُ النجفَ وشعراءَها ومجالسَها الأدبية))
وإليك عزيزي القارئُ/المستمِعُ أستشهدُ بهذه الأبياتِ التي تَدُلُّ على ذلك من ناحيةِ اعتدادِهِ بذاتِهِ التي وُلِدَ من بصيرتِها الأملُ:
أطلقتُ بالشعرِ العقيرةَ صادحًا
فأجابتْ الدنيا رنيمَ صُداحي
…
و يقول معبراً عن إبائِهِ:
أحرفيْ إنني أَبْيتُ انحناءً وركونًا إلى رموزِ العبيدِ
فاعذريني إذا وطأتُ بنعلي من عدا نحو عزَّتي ووجودي
…
وهو القارئُ الواعي:
وقرأتُ ما عاثَ الطغاةُ وأجرموا
فلعَنتُهم من أَلْفِهِمْ للياءِ
…
وهو الكاتبُ البارعُ:
إني سأكتبُ بالدماءِ عقيدتي
هيهاتَ يَخدَعُني النعيمُ الفاني
…
وهو الابنُ البارُ السالكُ نهجَ آبائِهِ الأطهار:
أبناءُ حيدرَ والنبيَّ مَفَاخِرٌ
غمروا الوجودَ بأنعمٍ وصلاحِ
…
وكيف لا يكونُ كذلك ودماؤهمُ الزكيةُ تجري في عروقِه:
حافلٌ منكَ عالمي بالخُزامى
فالهوى والدِما بنبضِ وريدي
….
وقد أوتي الحكمةَ فنالَ الخيرَ الكثيرَ :-
لستُ غَرًّا بجهلِهِ يَتمادى
بل حكيماً ومن زمانِ الجدودِ
…
وقد حباهُ اللهُ الهيبة والمقام السامي والذكرِ المحمود:
وإني سليلُ القومِ من آلِ هاشمٍ
وعني نوادي الفضلِ تَروي وتُسمِعُ
المحور الثاني انعكاسُ الثقافةِ الدينيةِ ووضوحِ بصماتِها:-
ولأنهُ ابنُ النجفِ الأشرفِ، وبيتُ أهلِهِ من بيوتاتِ العلمِ والأدبِ، تشبَّعَتْ ثقافتُهُ بالقرآنِ الكريمِ والسيرةِ العطِرِةِ للنبي وآلهِ الأطهارِ ونهجِ البلاغة وعيونِ الشعرِ فلا عجبَ إن توغَّلَ الإيمانُ في معانيهِ، وتشبَّثَ العلمُ في ألفاظِهِ.
ولست في صددِ ذكرِ الآياتِ والرواياتِ التي يُدرِكُها اللبيبُ بمجردِ أن تطرِقَ أبياتُهُ الأسماعَ.
وعلى سبيلِ المثالِ لا الحصرِ أوجزُ ذِكرَها في أربعةِ مواطن:-
الموطن الأول:
قرأوا ((أعدوا ما استطعتم)) للوغى
فإذا بهم عند النِدا فُرسانُ
….
الموطن الثاني:
لَكَم فرتْ فوارسُ من عليٍ
((فرارَ الحُمرِ من أَسدٍ)) هصورِ
…
الموطن الثالث:
بكِ باهلَ القرآنُ يا ابنةَ أحمدٍ
واللفظُ تعظيمٌ فأنتِ ((نساءُ))
…
الموطن الرابع:
هيهاتَ مثلُكَ من ((يَبيتُ ببطنةٍ))
وإزاءَكَ الأيتامُ والأسراءُ
…
المحور الثالث:
الهمُّ الانساني لنشرِ المحبةِ والسلام :-
يقول جيمي هنتركس ((عندما تتغلبُ قوةُ الحبِ على حبِ القوةِ سيشهدُ العالمُ السلامَ)) وهذا المعنى يتجلى في نَفَسِهِ الشعري بوضوح في قصيدةِ (أضأتَ كعالي النجم) :
هلِموا إلينا فالتسامحُ نَهجُنا
وهيهاتَ أرضى أن أجورَ وتَخضعوا
إلينا إلينا فالتقارُبُ وِحدةٌ
وميثاقُنا أنا على الشرِّ نَربَعُ
…
وكذلك يظهرُ جليًّا في قصيدة (أمة القرآن):-
يا أمةَ القرآنِ عودي
تَحظي بأنوارِ الوجودِ
المجدُ أن تستيقظي وإذا نَهضَتِ فلا تَهيدي
الملامح الموضوعية :-تنقسم إلى ثلاثةِ محاورٍ
المحور الأول : ثنائيةُ التضادِ والمفارقةِ على مستوى البيتِ الواحدِ:-
يقول الناقدُ الحاذقُ جاسم المشرف ((بلابل وأبابيل يقومُ العنوانُ بلاغيًّا على التضادِ وأسلوبيًا على المفارقةِ في مجملِ المجموعةِ الشعريةِ للسيد هاشم ثُنائيةُ الطربِ والغضبِ حاضرةٌ )) ولك عزيزي أن تتمعنَ بهذهِ المَلَكةِ الشعريةِ في ومضاتٍ سبعٍ :-
الومضة الأولى:
وقد يُغنيكَ إيجازٌ يسيرٌ
عن الإسهابِ في شرحٍ كثيرِ
…
الومضة الثانية:
غنَّت لك الأيامُ وهي طروبةٌ
لما اكتستْ للحزنِ ثوبَ حِدادِ
….
الومضة الثالثة:
فإذا العداوةُ أُلفةٌ وإذا التفــ
ــرُّقُ لُحمةٌ و بوحدةٍ إخوانُ
…
الومضة الرابعة :
وغيَّرَ ظُلمَها قسطاً وعدلًا
وأبدلَ لُؤمَها كرمًا وجودا
…
الومضة الخامسة:
وإن أرخى ظلامُ الجهلِ سِترًا
أضأتَ الكونَ من هديٍ ونورِ
…
الومضة السادسة:
لكم صالوا و كم جالوا ليوثًا
وعادوا بعد وثبتِهِم نَعاما
…
الومضةُ السابعة
هم حاربوكَ بزعمِهِمْ متطرفًا
بل ألَّهوكَ بزعمِهم مربوبا
المحور الثاني محاكمةُ التأريخ واستنطاقُهُ وتقريعُهُ:-
يقولُ المؤرخُ والمفكرُ المغربي عبدالله العروي ((الخاصيةُ التي تُميِّزُ الثقافةَ العربيةَ عن غيرِها هي:إضفاءُ القداسةِ على التاريخِ))
في هذا الديوانِ تَميَّزَ شاعرُهُ بسحبِ بساطِ القداسةِ عن هذا التأريخِ المليءِ بالظلمِ والجورِ، وأزالَ أقنعةَ الرواةِ الذين زيَّفوا الحقائقَ، وكم طوَّعَ قريحَتَهُ لإحقاقِ الحقِّ وردِّ المظالمِ. ولطالما دوَّت صرخاتهُ الغيورةُ في أكثرِ من موضعٍ من قصائدَ شتى:-
الموضعُ الأول:
صرختُ يا دهرُ هل ما زلتَ ذا غِيرٍ
من عهدِ صفينَ حتى يومِ حطينِ
أجابني الدهرُ والأحزانُ تَملؤهُ
لا قسوةَ الدهرِ بل جورِ السلاطينِ
…
الموضعُ الثاني:
هي لعنةُ الأجيالِ فوق سقوطِهم
تِعدادُها قد ضجَّ منها المَرقَمُ
…
الموضعُ الثالث:
يا كاتبَ التأريخِ ما أنصفتَنا
أطلقتَ سهمَكَ غادرًا صوبَ الهُدى
المحور الثالث استدعاءُ الرموزِ التأريخيةِ وتوظيفِها داخلَ النصِّ ببراعةٍ:-
يقول الناقدُ المتألقُ الدكتور ناصر النزر ((شعرُ المناسبةِ
لا يستهلِكُ الشاعرَ بقدرِ ما يَمنحُهُ.
أحيانًا ما تحتاجُهُ القصيدةُ هو كيف نُديرُ أصابعَنا على الأوتارِ القديمةِ بخفةٍ ورقةٍ ووضوحٍ ))
رغمَ الزخمِ العاطفيِ الذي تفرَّدتْ بهِ قريحةُ السيد هاشم الولائيةِ يَصدِمُكَ بقولهِ :-
في محضرِ العظماءِ ألفُ قصيدةٍ
تعيا وتخرَسُ في لسانِ الشادي
والواقعُ الذي نتلمسُ آثارَهُ في مشهدِهِ الشعري بأنهُ لم يُقصِّرْ أبداً و يَكفيكَ تصريحُهُ:-
هي قصةٌ أروي جميعَ فصولِها
بختامِها كلُّ الطغاةِ تَزولُ
…
وفي الختامِ أتطرقُ لرمزينِ تأريخيينِ من الرموزِ الكثيرةِ التي ذُكِرت في الديوانِ أضافا نكهةً خاصةً وإيقاعًا متفردًا ففي قصيدة أزِفَ الرحيل في الحسين عليه السلام
يتراءى الحقدُ بأبشعِ صِورِهِ عند حضورِ قابيل الذي يمثلِ رمزَ الأبابيل:
في ساحةٍ كشفتْ أميةُ زَيفَها
وبها تراءى حِقدَهُ قابيلُ
…
وفي قصيدةِ يا ثامن الأطهار يبرُزُ دِعبل بكلِّ كبريائهِ وذوبانهِ في الولاءِ الذي يُمثلُ بدورِهِ رمزَ البلابل:
أكبرتُ دِعبلَ في مقالٍ موجزٍ
جمعَ الحقيقةَ مُلهِماً متفرِدا
الفيءُ في أيدي العبيدِ موزعٌ
وابنُ الدعيِّ هناك أمسى السيدا