إنسان مُبعثر
أمير الصالح
بخروجه من المنزل مسرعًا نحو مقر العمل، اكتشف في منتصف الطريق أنه نسىي جواله، فتأفف وحوقل، ورجع إلى منزله لجلب الجوال. وفي اليوم التالي، وبعد خروجه من منزله، وفي أثناء ولوجه للسوق، تذكر أنه لم يجلب محفظة ماله، فتأفف وحوقل، ورجع لمنزله لجلب محفظة نقوده.
طالب يلبس نظارة طبية للقراءة، وفي معظم الأوقات يذهب إلى المدرسة وينساها، ويتذكر ذلك بعد دخوله إلى صفه الدراسي، فيتأفف ويحوقل، ويجري اتصالًا ببيت والده ليطلب منهم إحضار نظارته.
وهناك قصص كثيرة تطرق مسامعنا يوميًا فتشخص حالة عصرية جديدة، هي التصاق أشياء باجسادنا وهويتنا وطرق التعرف بنا أو التعرف بمحيطنا.
كل تلكم المواقف تنم على ان الإتسان المعاصر أضحى مكونًا من مجموعة أجزاء وأجهزة مبعثرة، ولم يعد مجرد جسد وروح، وإنما جسد وروح، وأيضًا: جوال وإنترنت، ونظارة طبية وسماعة، وبطاقة ائتمانية وQR ومجموعة تطبيقات إلكترونية فاعلة، وإثبات حالة صحية عبر شهادة تطعيم إلكترونية، وإثبات موافقة إلكترونية مسبقة للدخول في مكان محدد. كل تلكم المدخلات الجديدة أضحت تشكل عناصر ضغط نفسي على الإنسان المعاصر المتعلم إذا نسيها، فضلًا عن الإنسان غير المتعلم عند جهل أهميتها. وأضحى الإنساني المتعلم غير المجيد للغة الإنجليزية واستخدام التطبيقات الرسمية، وغير الرسمية أيضًا يخضع لحالات ضغط نفسي متكررة بسبب تعثر تشغيل التطبيقات الإلكترونية الذكية أو ارتباك الشبكة الإلكترونية أو ضعف تغطية شبكة الاتصالات!!!
في نقط تفتيش ركاب السفر بالمطارات تكون صورة تفكيك الإنسان المسافر اكثر وضوحًا لذات الشخص في أنه أكثر تبعثرًا، ولا سيما مع المسافر الذي يحمل جوالين، وجهاز لاب توب، وجواز سفر، وحقيبة ظهر، وحقيبة يد، وساعة يد، وحذاء مدعم بحديد أمان في المقدمة، وحزام بنطلون، وسماعة آذان، و .. و… . هكذا تفكيك لأجزاء ملتصقة بالإنسان يشكل عليه مجموعة ضغوط نفسية، ولا سيما إن هو نسي أو فقد أيًّا منها بعد تجاوز نقاط التفتيش. وهنا أستحضر جملة تُنسب لسيد الأنبياء محمد (ص): (فاز المُخفون يا سلمان) (المحمدي). وقد حاولت هنا أن أوظف هذا النص لتأصيل ثقافة تقويض المشتتات، وتقليل الانخراط في عالم الاستهلاك المفرط. أما أحد أسباب الفوز -كما ورد في هذه العبارة- فهي «الخفة» بشتى أنواعها: الخفة من الذنوب، الخفة من الأحقاد، الخفة من الوزن الزائد، الخفة من الماديات، الخفة من التشتيت. الخفة من كل ما يدفع إلى التورط في وحول الأجهزة الشائكة والتطبيقات المتعددة غير الضرورية.
نحن جميعا نعيش في بيئة تقنية ورقمية مصممة لتقويض انتباهنا، بل واستنزاف ما بقي منه. الإشباع الفوري للنهم الفضولي عبر العالم الرقمي من جهة، وعالم المنتجات الاستهلاكية وعالم المشاهدات طغت في كل مكان.
الأجهزة المربوطة بعالم الإنترنت عبر السماعات والشاشات أخذت بأسماع وأبصار خلق كثير من الناس، فأصبح عدد كبير منهم تصدق عليهم صفة إنسان مُبعثر. فهمسًا نقول في أذن البعض: لملم نفسك أو بعضك قبل أن تنهش الأجهزة ذهنك وفكرك ووقتك وتركيزك، بل قبل أن تنهشك كلك.