أصبحت ناضجًا وأستطيع أن أقتل
زينب المحمد
مرحلة جديدة ينتقل إليها الإنسان في لعبة الحياة المعقدة هذه. مرحلة
متقدمة من ناحية مستوى الصعوبة، ومستوى المهارة، وكمية المعلومات المختزنة في عقله كمكتبة زاخرة بالكتب والخبرات تساعده لشق طريقه نحو الهدف. يبدأ طفلًا صغيرًا بريئًا سعيدًا خفيفًا لطيفًا، والدنيا تبدو سهلة ممتعة ومشرقة وخلابة في عينيه، ويرقص مع أنغام الحياة بشغف، ويبدأ بالتعلم والتقدم من مرحلة لأخرى انطلاقًا من مرحلة الطفولة، ثم إلى المراهقة والفضول، وصولًا للشباب والمسؤولية، ثم مرحلة النضج!
هنا حيث يكون الشخص قد مر بتجارب كثيرة، المفرح منها والمؤلم، فيتعلم الكثير من المعاني خلف كل مشاهد الحياة المتنوعة، وتصقله الخبرات والتحديات. ويبدأ بمعرفة نفسه وخياراته ونتائج قراراته.
عندما يرى نفسه مسؤولًا عن نفسه، وعن رسم لوحة حياته بألوانه الخاصة، ونسج كيانه بطابع خاص ومميز به وحده، هنا يكون الشخص مؤهلًا للقتل !!
ولا أقصد به القتل بمعناه الذي تبادر لأذهانكم الآن -أعزائي- وإنما أعني أن يبدأ بقتل الأشياء بداخل نفسه باختياره، كالرغبات والمشاعر، أو الأفكار والأحكام، والمعتقدات من أجل الاستمرار بخوض غمار الحياة بالطريقة الأفضل له.
عندما ينضج الإنسان يكون قادر على قتل البراءة في روحه عندما يتوسع وعيه، ليدرك الخبث والدناءة في البشر، فيتحكم في انفعالاته، ويحسب حساب تصرفاته من أجل حماية ذاته ومن يحب من الوقوع في المكروه.
مثلًا قد تضطر لقتل فكرة أن والديك مثاليان لتتقبل بشريتهما وأخطاءهما، أو تقتل آمالك بأن يبقى صديقك المفضل معك إلى الأبد، ولتفهم أن صفة الدوام لوجه الخالق وحده عز وجل.
وعندما يريد الطالب تحقيق أفضل العلامات يبدأ بقتل رغباته الطائشة بتضييع الوقت على متعة مؤقته لن تجلب له منفعة، فيلتزم بالدراسة من أجل هدف يريده ليكون فخورًا بذاته وإنجازه نهاية العام الدراسي.
وعندما تصبح ناضجًا تكون قادرًا على قتل الأنانية والطيش والاندفاع المشتعل في داخلك لأجل ألا تقع في فخ هذه الرغبات المغرية فتجرك عواصف المشكلات والندم والحسرة.
وعندما تصبح ناضجًا تستطيع قادرًا على قتل المشاعر في قلبك عندما تحب شريكًا غير مناسب لك أو شخصًا تسبب لك بجرح عميق، أو صديق غادر وغير صادق، أو قريب مستغل غير مبالٍ.
وهناك من يقتل أحلامه الدفينة التي استعصى عليه تحقيقها بسبب الظروف القاسية التي قيدته بأغلالها الثقيلة.
وعندما تنضج تكون قادرًا على قتل الأحكام والمعتقدات المظلمة وغير الصحيحة عن ذاتك والآخرين التي توقف تقدمك في حياتك وتطورك، فتلاحظ توسع أفاقك وزيادة وعيك وإدراكك للمعاني بشكل أوسع وأكبر لتهنأ بالعيش الطيب والحياة المستقرة.
لذلك أرى النضج وأعرفه عندما ألاحظ أني استطعت قتل شيء في داخلي لم يعد يخدمني، ولم يعد يناسب مساري في حياتي، أو قتل شعوري ناحية شخص لن يكون له مكان ضمن قائمة الأشخاص الأعزاء في قلبي.
أخيرًا، لن أستطيع تعداد وإحصاء كل الأشياء والمشاعر والأفكار التي يجب قتلها والتخلص منها في أنفسنا من أجل أهداف أسمى وحياة أفضل. ولكني أعلم أن هذا النوع من القتل لا غنى لنا عنه لأني لم أرَ النضج سوى بالشخص الذي مات شيء في داخله.
” اعلم أن كل ما مر بك من تجارب الحياة كان ضروريًّا حتى يتسنى لك الانتقال من مرحلة إلى التي تليها، وصولًا لهذه المرحلة من حياتك ” واين داير.