حججنا ولم نستفد!
فؤاد الحمود
للحج فوائد وثمرات فردية واجتماعية واضحة؛ فهو تدريب عملي على السلوك الجمعي وتنمية للذات، وهو في الواقع من العبادات التنموية الكبيرة، والتي على المسلمين الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن حتى لا نضيع أهداف الشارع المقدس.
وقد حث الشارع على البذل في الحج وأن ما ينفقه سيعوض به الكثير، وهو مخلوف له، وفي نفس الوقت نهى عن حج التسكع، إلا أنه أمر الحجاج أن يتجردوا من مظاهر الزينة حتى المحللة منها، والتي اعتاد عليها، كاستعمال الطيب وبعض ما يتزين به من ساعة أو خاتم إذا ما كان الهدف منهم التزين، إضافة إلى إلزامه بأن يلبس ذلك الإزار والرداء المحددين حتى لا يُعيَّر الفقير بفقره، ويصبح الجميع سواسية.
كما أن من أهداف الحج الواضحة مبدأ التعاون والتعارف بين شعوب العالم الإسلامي من خلال المشاركة الواحدة في الأعمال، ولن أطيل في آثار وثمرات الحج لأنه باب كبير ولكن من باب المقدمة لأدخل في الموضوع الذي أصبو أن أصل إليه.
أحببت أن أنقل بعض الخبرات التي حصلت عليها خلال العقدين المنصرمين في خدمة حجاج بيت الله الحرام من خلال المشاركة الفاعلة والمنفعلة، ويعز عليّ أن استعرض بعض الملاحظات التي أتمنى أن تجد صدراً رحباً من مسؤولي الشركات والحملات.
أولها: هي الأنا العظمى لدى الكثير منهم، والتي اتخذوا من هذه العبادة موسماً تجارياً تتنافس فيه الماديات على حساب المعنويات، فقلما تجد التعاون واضحاً، وذلك انطلاقاً من المثل القائل “قومي رؤوس كلهم أرأيت مزرعة البصل”، وبالتالي على كل حملة أن تظهر أنها الأوحدية في تقديم الخدمات بعيدة كل البعد عن روح التعاون، وبالتالي يكون الحمل على كل قافلة مستقلاً، وبتكرار نفس الخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع التكلفة التي يتحملها الحجاج في النهاية.
فخلال الموسمين الأخيرين تغيرت الكثير من الأمور الإدارية في الحج، وبالتالي أصبحت الفروق في خدمات الحملات بسيطة، ولكن البعض ما زال يصر على ارتفاع الأسعار غير المبررة، وذلك لا لشيء إلا لسوء الإدارة.
وعلى مستوى الدروس الفقهية القبلية في البلد، ألا يمكن وضع مؤتمر يشمل جميع الحجاج تتكفل أعباءه الشركات التي تندرج تحتها القوافل، وبالتالي سيقل الجهد وتكرار المكرر من الدروس والتكاليف المالية، ولأننا لا توجد لدينا روح الغيرية؛ فإننا نصر على أن تكون كل مجموعة قائمة بذاتها، ولو على حساب المادة العلمية المطروحة التي ستقدم، حيث ليس كل من يقدم المادة الفقهية يحمل كفاءة عالية، ونظل ندور حول محور الأنا والوجود!!
أما على مستوى التعاون في الطيران أو غيره من الخدمات ماذا لو اجتمعت كلمتنا؟! ألن يكون ذلك مؤثراً على الطيران وتحديد الأسعار، ولعلم شركات الطيران ومكاتب السفريات أننا “أكلنا يوم أكل الثور الأبيض” ستتحكم الشركات في أسعار الطيران وتجبر الناس على أسعارها هي وبالتالي سيكون العبء على الحاج.
وأما داخل المخيمات فالمصيبة أعظم حتى على مستوى تنسيق جدول إقامة الصلاة، تجد الأخذ والرد، والتنازع على الوقت، وروح الأنا، فيا ترى أين هي دروس الحج وآثارها الروحية في سلوك أصحاب القوافل؟!
ومنها أن تجد نموذجاً يستحوذ على جزء من مخيم مزدلفة متذرعاً بأوهام ما أنزل الله بها من سلطان، مما يؤثر على وضع المخيم المخصص لجميع الحجاج، كأن يقتطع بعضهم جزءً من المخيم العام، ويجعله جلسة خاصة وبوفيه لحجاجه، على حساب جميع الشركاء في المخيم، ويضع الجميع أمام الأمر الواقع، وذلك إن قلنا لسوء إدارة الشركة وإخفاقها، فإن هذا لا يعطي الحق في التصرف، وإلا أصبحت فوضى عارمة، فكل مجموعة من القوافل تستطيع عمل ذلك ولكن على حساب الحجاج.
أين هي روح الغيرية والتعاون ووحدة الهدف والمصير في سلوك الحج عن سلوكيات تلك المجموعات والحملات، أليس هذا خلاف واضح لما أراده الشرع الشريف منا، أم نحن مجرد أصحاب شعارات وحين التنفيذ كل يقول أنا وما بعدي الطوفان، فهل ننسى أن جميع الحجاج هم ضيوف الله وليس لأحد فضل!
أتمنى أن تعيد المجموعات والقوافل أهدافها وترتقي بخدمة الحاج فلو وضعنا أيدينا جميعاً بأيدي بعض سيكون الموسم أكثر فائدة وأقل عبئاً وتكلفة على الحاج، فقد أصبح الحج للأغنياء والتباهي وهو مظهر واضح على حساب المبادئ.