أزرع نفسك حيث يمكنك أن تحصد

أمير الصالح
من أين يستقرئ الإنسان انعكاس مشاعر الآخرين من حوله وانطباعهم ؟!
حتما القراءة الأولى هي: من أساليب التعامل المباشر مع الشخص عند وروده للمكان ومقابلة الآخرين وجها لوجه والتحدث معهم. فقد يرى من يقوم له تبجيلًا ومحبة وتقديرًا. وقد يرى في أماكن أخرى في مجتمع أو مجموعة أخرى تجاهل وصدود وتجهم واستنكار. وقد يرى أيضًا ما هو أسوأ من ذلك من سلوكيات البعض نحوه، كالنبز في الألقاب واللمز في الكلام والغيبة والنميمة والكيد ! وقد يلامس ماهو الأفضل في المعاملة نحوه من المدح والإطراء وذكر المناقب وحفظ المعروف. إذا كان الشخص محترم في ذاته وبذل أفضل ماعنده نحو الآخرين على مدى سنين وعقود، وانتظر النتائج بعد حين من الزمن، فان حصد وإلا فالوادي الذي زرع فيه لا خير له فيه. و هنا الأفضل أن يزرع ذلك الإنساني المحترم الفعال في مكان آخر، وأن كان في وادٍ جديد وأناس جدد وبيئة جديدة.
وقد تكون القراءة من خلال أبناء الأقارب والأصدقاء، لأن الأطفال أقل مهارة في إخفاء المشاعر الحقيقية وانعكاس أصدق لما رُسم في عقله نحو الأشياء والأشخاص والظروف. فإن رأيت تفاعلًا إيجابيًّا من بعض المراهقين لأبناء الأقارب والأصدقاء فهذا يعني فيما يعني بأن والداه، أو والده أو والدته طبع صورة جميلة عنك والعكس صحيح.
يضيع البعض في إعادة ضبط البوصلة، فبدل أن يستزرع نفسه في مكان آخر يقوم بجلد الذات، ويتندر على حاله ويكثر العتاب نحو الآخرين، ويكثر ترديد قول الشاعر: أضاعوني وأي فتى أضاعوا. حبيبي الإنسان المحترم والفعال ، لم ولن تستطع أن تغيير كل الناس وإقناعهم بالقناعات ذاتها التي تؤمن بها، ولكن من المؤكد أنك تستطيع أن تغير من. نفسك ومن محيطك، ومن مكان معيشتك. وشخصيًّا أشجع كل إنسان محترم أن يقوم بعدة تجارب إنسانية في المحيط الذي يعيش فيه مبكرًا لكي يبني خلاصات وخبرات، ويمضي بثقة أكبر نحو الأمام وبناء مستقبل يليق به؛ ويجب أن يتجنب الوقوع في دوامة إعادة التجارب ذاتها مع الأشخاص ذاتهم، ثم التندر والعتاب وجلد الذات والٱحباط وانكسار الهمة وانكماش الطموح.
حبيبي الإنسان المحترم والفعال والساعي للخير، أثمن شي تملكه هو عمرك. وقديمًا قال الأجداد: من جرب المجرب عقله مخرب. البعض يقع في فخاخ المتلونين والمتنطعين والانتهازيين نتيجة السذاجة وقله الحذاقة وقصر النظر وضبابية البصيرة وبناءه العاطفي. ولو دقق الإنساني في الآية الكريمة:(فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) لاستنطق فوائد جمة، أولها عدم إهدار الوقت على إعادة نصح المستهزئين والجبناء المتقاعسين والحالمين الساقطين والمعقدين المنغلقين والبلهاء الكسالى والفاسقين المجاهرين وأن كانوا من أبناء جلدتك وأبناء مدينتك.
إعادة خارطة التركيز بهدف الٱنجاز أمر يستحق المدارسة والمراجعة بين الحين والآخر. وهذا الصنيع يليق بكل إنسان محترم وفعال للوصول لأفضل أداء، والتتويج بأفضل إنجاز. ونحن في محراب شهر محرم الحرام ومطلع السنة الهجرية تدوينًا، فمن الجيد أن يسطر كل منا أهدافه النبيلة لهذه السنة، ويبذل الجهود لتحقيق ما يمكنه تحقيقه، في أزمنة تنقلب فيها الموازين فيقدم السفهاء وينحى الحكماء. ونقرأ في القرآن ان نبي الله يوسف (ع) “وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ” لجهلهم بمكانته عند الله وعلمه ونبوته،. فلا يعتقد أي إنسان محترم بأن بعض جهلاء وسفهاء ومترفي أبناء مجتمعه أو أبناء قوميته سيتورعون في أن يبيعونه بثمن بخس في أسواق النخاسة أو أسواق أخرى. وسلام الله على الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب حين ولد وحين استشهد وحين يبعثه الله حيًّا، فلقد سطر في العاشر من محرم الحرام قصة إنسانية من أعظم قصص النبلاء وأهل الكرامة عند الله.