رب ابن لي عندك بيتا في الجنة
عبدالله العبدالمحسن
عنوان كتاب للأستاذة المربية منى الصالح، عنوان يحيل من الوهلة الأولى إلى أن محتوى الكتاب باقة من الأدعية والأذكار، والوعظ والإرشاد، قبل أن يأخذ الكتاب القارئ في رحلة لأغوار النفس البشرية، هذا ما صادفته من عتبته حتى خاتمته، في مواضيعه الطويلة، أو تلك الومضات الخاطفة في نهايته، مما يجعله كتابا تربويا توجيهيا بامتياز، نعم الدين حاضر في صفحات الكتاب أدلة وبراهين قوية من المصحف الشريف، ومن أقوال الرسول الكريم تدعم الحقائق العلمية والنفسية التي تضمنها الكتاب.
كتاب صغير في حجمه 235 صفحة من القطع المتوسط، لكنه كبير في شأنه. إنه خلاصة تجربة ثرية، وعصارة ثقافة عميقة، يحمل بين دفتيه همّا واهتماما بالمجتمع وغيرة أم مربية ذات قلب حنون على بنات مجتمعها، أُعد الكتاب تحت تأثير قلق واع، إن صح التعبير، حول مستقبل البنات اللواتي سيصبحن زوجات وأمهات وعضوات فاعلات في المجتمع، خاصة الآن بعد تمكين المرأة، وفتح الأبواب الموصدة أمامها، لتقوم بدورها كعضوة فاعلة في المجتمع والأسرة، لا مريضة عالة على المجتمع والأسرة.
أخذني الكتاب في رحلة لأغوار نفوس أفراد المجتمع، تحديدا المرأة سواء كانت طالبة في المدرسة، أو أما لطالبة، رحلة لا أبالغ إن وصفتها بأنها شاقة محفوفة بالألم والحزن والقلق على مستقبل مجتمعنا. قبل قراءة هذا الكتاب القيم كنت أدرك أنه لا مجتمع يخلو من مشاكل اجتماعية وعلل نفسية، وأن لكل زمان ومكان تحدياته وعاهاته الخاصة، لكن الكتاب صدمني بجملة من المشاكل لم أتوقع وجودها بهذا القدر المنذر بالخطر، لم أتصور أن هذا القدر الهائل من المشاكل والأمراض النفسية تتربص ببناتنا، مما يعكس هشاشة الأسرة وضعف الركيزة التي يقوم عليها بنيان الأسرة وهي المرأة. شعرت وأنا أقرأه أن هناك صراعا محتدما بين الذكر والأنثى، كأنما هما خصمان يقتتلان، يتربص كل منهما بالآخر، أو قطبان متنافران لا عنصران يكمل بعضهما بعضا، ويسند بعضهما الآخر، ويقف بجواره، ويسعى لتحقيق سعادة قرينه، ويعينه في أداء رسالته.
يبدو الكتاب مكرسا لمعاناة المرأة، وهي تلميذة على مقاعد الدراسة، وطالبة في الجامعة، ومعلمة أو موظفة وزوجة وأم تدير شئون أسرتها، إلا أن المؤلفة لم تغفل الرجل، كونه ضلعا مهما في هذا البنيان، لذا توجهتْ له بالنصح والتوجيه حينا ليقوم بدوره، واللوم والتقريع حينا آخر على تقاعسه عن أداء واجبه، كاشفة عيوبه وأوجه تقصيره وتناقضه.
عرفني الكتاب الممتع على جوانب كنت أجهلها، وإن أحطت ببعضها فإحاطة سطحية، لكنها توسعت وتعمقت بفضل كتاب أحرفه قبس من نور، أستعير هذا الوصف من إهداء المؤلفة كتابها لي. إن الكم الهائل من القضايا التي أثيرت بين دفتي الكتاب هي بمثابة إنذار مبكر لضرورة الالتفات إلى هذه المشاكل، وأخذها مأخذ المسئولية، لقد قرعت المؤلفة ناقوس الخطر المحدق بالمجتمع، ولم تكتف بإطلاق النداء، أو الإشارة إلى مكامن الخطر، وإنما قدمت حزمة من المقترحات الهامة التي تصلح أن تكون برنامجا استراتيجيا صاغته أستاذة غيورة من واقع تجربتها ومعاناتها خلال خدمتها في معمعة التعليم والتوجيه، وبدافع من شعورها بالمسئولية تجاه مستقبل مجتمعها. إن القضايا التي أثارها الكتاب بقدر ما هي مؤلمة، فهي بالنسبة لي ملهمة، لقد أعانتني على معرفة أعمق وأوسع بالمجتمع، الذي اتناول أشخاصه وهمومه في كتاباتي. يقدم الكتاب تشخيصا لبوادر وإرهاصات أمراض اجتماعية ونفسية تهدد المرأة، نواة الأسرة، لم يكن تشخيصا فقط، بل تضمن وصفات للعلاج، قد تعين في درء هذا الخطر، ومحاصرته قبل أن يتفاقم، ويصبح فاشيا. تطرقت المؤلفة بجرأة لمشاكل مسكوت عنها ظنا أنها ستظل محصورة ومحاصرة خلف أسوار المدارس، ولا تتعدى عن كونها طيش مراهقات، وشغب ومشاكسات طالبات في مدرسة، الكتاب ينبهنا بإنها أبعد من ذلك.
لم يقتصر الكتاب على تناول ما يحدث خلف أسوار المدرسة وداخل الصفوف، وتدارسها مع المعلمات والمسئولات في المدرسة وحتى الطالبات بحثا عن حلول، بل تتبع هذه المشاكل حتى منابعها الأولية في الأسرة والمجتمع، كثيرا ما اتصلت الموجهة منى بذوي الحالات، وفي أحيان أخرى تستدعيهم من أجل تدارس المشكلة، والتعاون من أجل الوصول لحلول دائمة وناجعة، أو الخروج منها بأقل الخسائر. تطرقت لوضع المرأة المؤلم والمقلق، تحديدا المرأة الأم المثقلة بهموم التربية والتنشئة وإدارة شئون البيت. ولم تغفل المؤلفة المجتمع ومنظومة الأخلاق والقيم والسلطة الأبوية ذات الطابع الاستبدادي المتسلط، تلك السلطة الغائبة عن المشهد المتنصلة عن مسئوليتها وواجباتها التربوية. أعني غياب دور الأب، الذي يرى دوره في أفضل الأحوال هو تأمين المأوى والمأكل والملبس، وبين الآباء من يعجز عن القيام بواجبه تجاه أسرته، ومنهم من ينصرف لمتعه الشخصية، مديرا ظهره لأبنائه ووالدتهم باحثا عن إشباع غرائزه الحيوانية دون وازع أخلاقي ولا رادع ديني، على الرغم من أنه يحرص أن يحتل الصف الأول خلف الإمام لأداء الصلاة، كما وصفت المؤلفة بعض النماذج من هؤلاء الرجال.
هذه التجربة التربوية وخلاصتها جديرة بالاهتمام من قبل الجهات المعنية بالتعليم، وخاصة تعليم المرأة، إذ أن ذاك هو واجب المؤسسة التعليمية ومسئوليتها. قدمت المؤلفة مشكورة نصيحتها بهدوء ووضوح كموعظة حسنة، يحدوها أمل أن تلقى آذانا صاغية وعقولا واعية. نصيحة صادقة منبعثة من قلب وعقل مربية غيورة ذات وعي عميق تشكل منذ كانت طالبة، ثم معلمة وأما، وأخيرا موجهة تربوية خلال عقد من الزمان امتلكت خلاله الخبرة والدراية.
الكتاب طرح موضوعي دون مبالغة، ولا تهويل لما تعانيه بعض البنات، إنه نداء عاجل يجب أن يلتفت له المعنيون بهذا الشأن لحماية الأجيال الناشئة من الأخطار المتربصة بهم في أكثر من موقع، أشارت المؤلفة إلى ما يتعرض له النشء جراء استخدام تقنية الاتصال والتواصل وخطرها الداهم الذي يهدد مجتمع اليوم.
من يقرأ الكتاب يعرف أن التقدم الذي شهده مجتمعنا مجرد قشرة تخفي تحتها التخلف والجهل والأمراض النفسية، وأن التعليم ليس على ما يرام، فهؤلاء الطالبات اللواتي يعانين من خلل نفسي سيصبحن سيدات هذا المجتمع زوجات وأمهات ومعلمات، أو ضائعات، من هنا استشعرت المؤلفة بأن البيوت التي ستقوم عليهن ليست مؤهلة للصمود أمام أبسط العوامل، ستكون أوهي من بيوت العنكبوت .