أقلام

الرقص على جراح الآخرين

فاضل آل درويش

ورد عن الإمام الصادق (ع): (من شمت بمصيبة نزلت بأخيه لم يخرج من الدنيا حتى يفتتن )( شرح أصول الكافي ج ١٠ ص ١٤) .
التعاطف مع حالات الضعف والعجز والوقوع في حفرة الخطأ هو جزء من تركيبتنا العاطفية التي لا يمكنها تجاهل الصور الماثلة أمامنا، والتي تعبر عن وقوع أحدهم في مأزق ودائرة الخطر، فتبادر إلى التفاعل الوجداني معها والسعي نحو محو تلك الصورة في المخيلة واستبدالها بمشهد آخر نكون أحد عناصره المغيرين للواقع من خلال مساعدة الطرف الضعيف، والفطرة السوية والحالة النفسية الصحيحة تتوحد حول هذا الموقف، ولا تظهر أي تعاطف لمشهد يكون فيه أحدهم يتعرض للضرر والأذى.
والأمر الذي يثير الدهشة هي حالة الرضا والسرور بوقوع أحدهم في مأزق دون إظهار أي تألم أو تعاطف معه،
ولكن كما قيل؛ (إذا عرف السبب بطل العجب)، فالبعض يظهر موقف الشماتة والفرح بسبب شعوره بأن الطرف الآخر يستحق ما جرى له، فالمتألم – في اعتقاده – ليس من المجموعة القريبة منه، بل يختلف معه في الفكر أو الدين أو العنصر، وبلا شك فإن الشماتة تعني انسلاخنا من إنسانيتنا الجميلة وبقاءنا تحت نير الكراهيات والأحقاد التي تحولت إلى جزء من كياننا، فنسينا الأصل المشترك مع بقية البشر ونزعنا إلى تحويل خلافاتنا وآرائنا المتباينة ووجهات نظرنا غير المتفقة إلى حلبة صراع نترقب فيها سقوط من لا نميل إليه على أرض المصائب والمشاكل والمآزق، فلا يوجد عندنا أي مشكلة في التشفي والفرح بآلام من نختلف معهم، بينما مثل هذا الموقف لو وقع مع المتفقين معنا فمشاعرنا تختلف إذ تتجه نحو التعاطف والتألم من أجله.
من العوامل الداعية إلى الشماتة والرقص على آلام الآخرين هي بؤر الاختلاف والمشاجرات التي تقع لأسباب كثيرة، فالشخص السوي هو الذي يستطيع أن يتجاوز محطات التوتر في حياته ويرسلها إلى سلة المهملات والنسيان، والتعاليم الأخلاقية تدعو بالتأكيد إلى تنظيف العقل والقلب من صور ذهنية تتعلق بمواقف سابقة، فيجتر الآلام ويستذكرها؛ لتشكل عنده موقفًا محتدًا من أطراف معينة ويحول أسماءهم إلى القائمة السوداء، فيتخذ منهم موقف الخصومة والقطيعة والحقد وتمني السوء لهم، لتكتمل الصورة القاتمة عنده إلى انتظار وصول خبر يتعلق بهم يحمل السوء والإخفاق والألم لهم، فيا غوثاه من الأحقاد الخفية التي تبرزها لحظات غير متوقعة لأناس يبغضهم فيطبل ويزمر على وقع جراحهم !!
ومن العوامل المؤدية إلى إظهار الشماتة بالآخرين هو اختلاف وجهات النظر وتباين الآراء، والاختلاف في الآراء نتيجة طبيعية نظرًا لاختلاف الأفكار والمعتقدات والثقافات، ولكن المشكلة تكمن حينما نشعر بأننا الوحيدون الذين نمتلك الحقيقة والرأي الصواب، فأية معارضة أو اختلاف فكري نشعر بأن الطرف الآخر على خطأ، وإذا كان القلب سوداويًّا تتحول تلك الاختلافات الفكرية إلى مشاعر الكراهية تجاهه، وكم نفرح إذا وصلنا خبر مسيء أو وقوعه في مأزق فذلك يعتبره المتشفي هو الرد السريع على مخالفته له في الرأي و بذلك هو يستحق ما جرى له.
الشماتة خطيئة ذات مراحل فلا تقع دفعة واحدة، بل هي نتيجة غفلة المرء عن تهذيب نفسه والمحافظة على اتزانه الانفعالي والعاطفي، فالبداية تكمن في عدم تقبل الواقع وتحويل ساحة التنافس إلى حلبة مصارعة، كما أن تأليه ذاته وانتفاخها لا تسمح لأحد أن يختلف معه في موقف أو حوار، فهذا يكون داعيًا لجعله خصمًا يستحق ويلات الدنيا فتصب جام غضبها عليه، ثم ينتقل إلى المرحلة الخطيرة والمتمثلة بمخالفة الإنسانية السوية المظهرة للتعاطف مع أي حال سيء أو مشكلة يقع فيها أي إنسان، فمشاعره المتأججة والصندوق الأسود له ينتظر انفراجة لأمره تتمثل بوقوع من يكرههم في مآزق !!
ويتناسى مثل هذا الشخص المريض أن الابتلاء والمصائب سنة إلهية تصيب جميع الناس دون استثناء مع تنوع الاختبارات والأزمات بين شخص و آخر.
فلنقطع جذور الشماتة من الآخرين بتقبل وجود الآخر مهما اختلفنا معه في فكرة أو موقف أو سوء تفاهم فلا نقطع حبل الاحترام والمودة معه، ولنسع إلى تنظيف قلوبنا من كل علائق الخصومات والكراهيات، فالتسامح يحفظ السلامة النفسية والعاطفية لجميع من يتعامل به كمبدأ وخيار وتعامل لا يحيد عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى