أقلام

مشكلات السلوك والاستخدام المفرط للأجهزة – سبب أم نتيجة؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

ليست الأجهزة الذكية هي ما تجعل الطفل مفرط الحركة، بل العكس هو الصحيح.

ليست الهواتف المحمولة هي التي تجعل الطفل مفرط الحركة، بل العكس هو الصحيح. دائمًا ما تكون لدى الطفل المتململ رغبة متزايدة في استخدام الهاتف المحمول  – وفقًا لأحدث الأبحاث من مختبر Alpha Generation في قسم علم السلوك الحيواني (الإثلوجيا) في جامعة أوتڤوس لوراند Eötvös Loránd في بودبست الهنغارية (ELTE).

تشير العديد من الدراسات إلى أن مشاهدة الطفل المفرطة للتلفاز في المرحلة المبكرة من عمره قد تؤدي لاحقًا إلى مشكلات في الانتباه وفرط الحركة. والعكس صحيح أيضًا: فالأطفال المتململون والمضطربون هم أكثر احتمالًا لاستخدام الأجهزة الرقمية، كما أن أولياء أمورهم هم أيضًا أكثر احتمالًا لإشغال أطفالهم بهذه الأدوات. للحفاظ على مستوى اليقظة [وهي حالة انتباه مع وعي وادراك]، يحتاج الطفل مفرط الحركة إلى اثارة مستمرة يمكن أن تكون متوفرة في المثيرات الملونة والسريعة الوتيرة [وهي التي عادة ما تتطلب قرارت سريعة] في ألعاب الفيديو والأفلام.[المترجم:لمعلومات عن مثيرات الألوان، راجع سيكلوجيا الألوان].

وبالتالي فإن العلاقة بين الأجهزة الرقمية وبين نقص الانتباه وفرط الحركة علاقة متبادلة، حيث يؤثر الواحد منهما في الأخر.

هذه المشكلة مشابهة للمشكلات الاجتماعية: الأطفال الخجولون أو الذين يعانون من قصور في المهارات الاجتماعية يميلون إلى الإفراط في استخدام الأجهزة الاكترونية، مثل لعب ألعاب الفيديو أو مشاهدة التلفزيون. يمكن أن يكون العالم الافتراضي ملاذًا بديلُا لهم عن العالم الاجتماعي الذي يجدون صعوبة في فهمه أو الإحساس به.  لكن استخدام الوسائط الرقمية في عزلة عن الغير (بشكل انفرادي) يزيد من عزلتهم أكثر.  في السنوات الأولى من العمر، تعد العلاقات بين الأقران مهمة لتطوير مهارات اجتماعية سليمة، والتي قد تنقلب إلى قصور في هذه المهارات لو استخدم الطفل الوسائط الرقمية بنحو انفرادي.  وبالتالي ، يبدو أيضًا أن المشكلات الاجتماعية واستخدام الوسائط الرقمية لهما تأثير متبادل.

حتى وقتنا الحاضر، ما تمت دراسته هي تقريبًا فقط العلاقة بين استخدام الوسائط القديمة – كمشاهدة التلفزيون بشكل أساسي – وبين تطور المشكلات السلوكية.  ولكن أطفال اليوم يستخدمون أجهزة أكثر حداثة (كالأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة) في سن أبكر وأبكر.

على وجه الخصوص، دراسات قليلة تابعت استخدام الأطفال للأجهزة المحمولة وتطور المشكلات السلوكية بمرور الزمن.  لكن مثل هذه الدراسات مهمة جدًا لأنها يمكن أن تخبرنا أيهما جاءت أولاً: الدجاجة أم البيضة – المشكلة السلوكية أم استخدام الهاتف المحمول.

حاول مختبر Alpha Generation التابع لقسم علم السلوك الحيواني (الإيثلوجيا)  في جامعة أوتڤوس لوراند سد هذه الثغرة.  طُلب من أولياء أمور أطفال في سن ما قبل المدرسة تتراوح أعمارهم بين أربع سنوات وست سنوات تعبئة استبيان عن استخدام أطفالهماللجوّال / الجهاز اللوحي والمشكلات السلوكية.  وبعد مضي 3 سنوات – عندما أصبح عمر الأطفال بين السابعة والتاسعة – طُلب منهم مرة أخرى تعبئة الاستبيان.

“وجدنا أن مستوى فرط الحركة ونقص الانتباه في مرحلة ما قبل المدرسة كان مؤشرًا على حجم استخدام الهاتف المحمول في المدرسة، مما يعني أنه كلما كان الطفل أكثر تململاً ومشتت الانتباه في مرحلة ما قبل المدرسة، زاد استخدامه للأجهزة الذكية في مراحل المدرسة الأولى.  يمكن تفسير ذلك من خلال حقيقة أن احتمال استخدام أولياء الأمور الأجهزة الرقمية لإلهاء أطفالهم أو إشغالهم قد زاد، كما أن احتمال سعي الأطفال أنفسهم للبحث عن محتوى يبعث على الاثارة والحماس قد زاد أيضًا،” كما قالت ڤيرونيكا كونوك Veronika Konok، رئيسة فريق البحث في مختبرAlpha Generation Lab، من قسم علم السلوك الحيواني، في جامعة أوتڤوس لوراند.

بيج أن مقدار استخدام الهاتف المحمول خلال مرحلة ما قبل المدرسة لم يكن مؤشرًا على مدى فرط الحركة ونقص الانتباه خلال سنوات الدراسة الأولى. “يمكننا أن نستنتج أن استخدام الأجهزة المحمولة في مرحلة الطفولة المبكرة لا يؤدي إلى فرط الحركة / نقص الانتباه، بخلاف مشاهدة التلفزيون على سبيل المثال.  لكننا نحتاج إلى تفسير هذه النتائج بعناية، حيث عدم وجود تلازم بين استخدام الأجهزة المحمولة وفرط الحركة ونقص الانتباه قد يرجع إلى، على سبيل المثال، عدد المشاركين المنخفض، حيث أكمل فقط 100 من أولياء الأمور الاستبيان الثاني، أو عوامل أخرى.  لكننا لا نوصي أي أحد من أولياء الأمور بالسماح لأطفالهم في سن ما قبل المدرسة باستخدام الهاتف المحمول غير المحدود بناءً على نتائج هذا البحث،” كما أضافت ربيكا سزيكي Rebeka Szőke، طالبة الدكتوراه في مختبرAlpha Generation، من قسم السلوك الحيواني في جامعة أوتڤوس لوراند ELTE.

قد يكون هناك سبب آخر لعدم وجود تلازم بين استخدام الاجهزة المحمولة وبين نقص الانتباه وفرط الحركة وهو أن تطبيقات الأجهزة المحمولة لمرحلة ما قبل المدرسة غالبًا ما تكون تنموية  بطبيعتها وأقل إفراطًا من ناحية الإثارة من، على سبيل المثال، الرسوم المتحركة أو ألعاب الفيديو العنيفة المخصصة للأطفال الأكبر سنًا.  [المترجم: اذا صح هذا التفسير توجب على أولياء الأمور أن يتوخوا الحذر في اختيار نوع الرسوم المتحركة وألعاب فيديو تناسب فئاتهم العمرية وخالية من العنف].

وجد الباحثون أيضًا أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل اجتماعية يستخدمون الهواتف المحمولة بشكل متزايد، لكن هذا صحيح فقط في سن المرجلة الدراسية الابتدائية [بين 6  و 12 سنة].  لم يجد الباحثون علاقة سببية بينهما، أي ما إذا كان استخدام للهاتف المحمول في هذه المرحلة المبكرة  من العمر يؤدي إلى مشكلات اجتماعية لاحقة أو العكس.  لذلك فإن مسألة السبب والنتيجة غير واضحة، ومن المحتمل أن تكون هناك علاقة تبادلية:  فلا الدجاجة جاءت أولًا ولا البيضة كذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى