القدرة على تمييز بكاء الطفل من الألم ليست قدرة فطرية بل مكتسبة
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
قبل أن يتعلم الأطفال الصغار الكلام، البكاء هو الوسيلة الوحيدة للتواصل اللفظي مع والديه. لكن هل يعرف أولياء الأمور هؤلاء متى يبكي الطفل من الألم مقابل متى يبكي من الشعور بالإنزعاج الخفيف؟ وجدت دراسة جديدة نُشرت في مجلة البيولوجيا المعاصرة Current Biology في 8 أغسطس 2022 أن الإجابة على هذا السؤال يعتمد على أمور.
يقول نيكولا ماثيفون Nicolas Mathevon، من جامعة سانت إتيان Saint-Etienne، فرنسا: “وجدنا أن القدرة على اكتشاف الألم في سياق البكاء – أي تمييز البكاء بسبب الألم من مجرد البكاء بسبب الشعور بالانزعاج – يمكن تحسينها بالخبرة المكتسبة أثناء رعاية الأطفال.” “أولياء أمور الأطفال الرضع يمكنهم التعرف على بكاء الطفل من الألم حتى لو لم يسمعوا بكاء هذا الطفل من قبل، في حين لا يستطيع أولياء الأمور الذين ليس لديهم خبرة على تمييز ذلك في العادة.”
تثبت النتائج أن قدرة الوالدين على تمييز بكاء الطفل ليست قدرة فطرية ولكن يمكن اكتسابها من التجربة. تربية الأطفال الرضع يمكن أن تؤثر في قدرتنا على فك شفرة المعلومات التي تنقلها إشارات التواصل [التعبير عن حالته] الصادرة من الأطفال (بكاء وغيره).
توصل ماثيڤون وزملاؤه في جامعة سانت إتيان بما فيهم ديفيد ريبي David Reby ورولاند بيرون Roland Peyron إلى هذا الاكتشاف كجانب من جوانب برنامج بحثي واسع يبحث في كيف تُشفر المعلومات في بكاء الأطفال وكيف يستخلص المستمعون لهذا البكاء هذه المعلومات. في الدراسة الجديدة، أرادوا معرفة كيف تؤثر خبرة تربية الأطفال السابقة في القدرة على التعرف على متى يعانون من الألم.
حشد الباحثون أشخاصًا لديهم نسب مختلفة من الخبرة في رعاية / تربية الأطفال، بدءًا من أشخاص ليس لديهم خبرة على الإطلاق إلى أولياء أمور لديهم أطفال صغار في الوقت الحالي. كما ضموا لهم أيضًا أشخاصًا لديهم خبرة عرضية في حضانة / رعاية / مجالسة الأطفال وغير آباء (أولياء أمور) بخبرة مهنية واسعة في تقديم الرعاية للأطفال.
بعد ذلك، أُخضع كل فرد من المشتركين في الدراسة إلى فترة تدريب قصيرة سمعوا خلالها ثماني أنواع من بكاء أحد الأطفال لفترة يومين متتاليين. بعد ذلك، اختبرت قدرتهم على فك رموز البكاء إمَّا أن يكون من إنزعاج أو من ألم.
واتضح من هذه التجربة أن الخبرة كانت الفيصل في القدرة على التمييز. الذين لديهم خبرة قليلة أو ليس لديهم خبرة على الاطلاق لم يستطيعوا التمييز بين البكاء أفضل مما لو كان تمييزهم مجرد ضربة حظ. أداء أولئك الذين لديهم خبرة قليلة كان تمييزهم أفضل قليلاً.
أداء أولياء الأمور الذين لديهم أطفال صغار في الوقت الحالي والمهنيين كان أفضل في تمييز بكاء الأطفال مما لو جاء هذا التمييز من مجرد ضربة حظ. لكن أولياء الأمور الذين لديهم أطفال صغار كانوا الأفضل على الإطلاق. فقد كانوا قادرين على التعرف على سياقات بكاء الأطفال حتى لو لم يسمعوا بكاء هذا الطفل من قبل. أداء أولياء أمور الأطفال الأكبر سنًا وذوي الخبرة المهنية في تمييز أنواع البكاء غير المألوفة بالنسبة لهم لم يكن أداءً جيدًا.
“فقط أولياء أمور الأطفال الرضع استطاعوا التعرف على سياقات بكاء طفل غير معروف لديهم ولم يسمعوا به من قبل،” كما تقول المؤلفة الأولى للدراسة سيلوي كورڤين Siloe Corvin:.
“مقدمو الرعاية المهنيين للأطفال كانوا أقل نجاحًا في الاستفادة من هذه القدرة وتوسيعها لتشمل تمييز نوع بكاء أطفال غير معروفين لديهم” تقول كاميل فوشون Camille Fauchon، المؤلفة المشاركة في الدراسة. “كان هذا مفاجئًا لنا كباحثين في البداية، لكن النتائج متسقة مع الفكرة القائلة بأن المستمعين للبكاء الذين لديهم خبرة قد يطورون مقاومة لأي شيء يقلل من حساسيتهم للقرائن / الاشارات الصوتية على الألم.”
تُبين النتائج أن بكاء الأطفال ينطوي على معلومات مهمة مشفرة في بنيتها الصوتية. على الرغم من أن أولياء الأمور معتادون على هذه البكاء، فإن قدرتنا على فك رموزه والتعرف على متى يكون الطفل في حالة ألم تتحسن بالتعرض والتجربة.
يأمل الباحثون في أن معرفة المزيد عن كيف يعبر الأطفال عن الألم قد يساعد أولياء الأمور على تعلم كيف يتعرفون عليه ويستجيبون له بشكل أفضل. يجري الباحثون الآن دراسات تستخدم تصوير العصبي للدماغ لمواصلة استكشاف كيف تؤثر التجربة والتربية (الوالدية: كون المرء أبًا آو أمًا وما يترتب على ذلك من أمور التربية) على نشاط الدماغ عندما يبكي الأطفال.