هل لديكم وقت؟
سهام البوشاجع
منذ فترة وقلمي يتكسر مع أول سطر يخطه محاولا أن يشق صمت الأحرف وعتمة الكلمات، وحين أعلن تمرده تثاقل بالنهوض وانسال حبره متكاسلا يسألكم – هل لديكم وقت؟
الوقت الذي نتسابق معه بين مد وجزر كل يوم أخذنا حد النهاية وعاد بنا إلى البداية، ونحن معه نتجاذب أطراف الأحاديث ،تارة بابتسامات باهتة عندما نجامل أحدا، وبعبوس مقتضب حين لا يعجبنا موقف ما، تارة أخرى، أصبح يؤرق الكثير ،وبدى يختطف سريعا، ألم تصادفوا أشخاصا يرددون عبارات مفادها أن الوقت أصبح سريعا جدا فلم يعد كالسابق، حيث يكون اليوم طويلا، ينجزون به أمورا كثيرة، لم يعد بمقدورهم أن ينجزوا اليوم نصفها؟
فاليوم الذي ما إن تدق ساعات هزيعه الأخيرة إلا ويكاد يشق فجره خيوط صباح آخر، يحمل تسارعا ملحوظا، تتوالى مواقفه في صنع عبق من الذكريات، وتحفر لحظاته بصمات من مشاعر وانفعالات.
ما إن نتوسد الفراش إلا ونحن نخطط ليوم آخر، تاركين الأمس بما حمل، ومتفائلين بالغد والجديد الذي سيقدمه لنا، ومع الكثير من الروتين المبرمج الذي نقوم به كل يوم، كالاستيقاظ وتناول الطعام والذهاب إلى العمل وأمور أخرى متناثرة نجمعها لنصنع منها أحداثا مميزة أو مختلفة، نمايز بينها وبين ما مضى من أيام نعلم أنها لن تعود أبدا، فيكون لنا اليد الطولى على ما بين أيدينا فقط، مدركين بأن ما قد مضى قد ولى بشره أو خيره، لا سلطة لنا عليه، وقد يخالجنا أحيانا لو أنه بمقدورنا أن نعبث بساعة الحياة ونوقف الزمن ولو بضع ثوان بسيطة، ونتخيل ما سيحدث على إثر هذا التوقف.
فلربما تكتشف أمٌ عبث أبنائها بشمعة عيد ميلاد، أو ولاعة موقد، فتجنبهم والجميع حريقا هائلا، قد يزور على إثره الكثيرين، أسرة المستشفى، أو لربما يتخطى سائق متهور شخصا في طريقه، فينقذ روحا كاد أن يقصر عمرها، وربما يتذكر أحد الطلبة إجابة آخر سؤال على ورقة الاختبار، فيدونها ويجنب نفسه شبح الإعادة، وخسارة سنة كاملة، وقد تكفي تلك الثواني لأن ينهي زيد أو عمر صلاته، فيكفي نفسه عتبا أو لوما، كون صلاته أصبحت قضاءً بدلا من أنها واجبة.
الزمن الذي لا يمكننا ولو بالتخيل أن نحرك عقاربه إلى الوراء ولا حتى إلى الأمام قدما، يجب علينا احترامه وأن نعيش أيامه وساعاته ولحظاته نفسا بنفس، نسابقه قبل أن يسابقنا، ونقطعه قبل أن يقطعنا، بل وحتى لا بأس بأن نصرعه قبل أن يصرعنا.
وقد صدق الشاعر بن هبيرة حين قال:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه
وأراه أسهل ما عليك يضيع.