من معين المعارف الفاطمية (ع)
فاضل آل درويش
مولاتنا الزهراء (ع) عبق فواح وسيرة تجسيدية للفضائل ومثال يحتذى به في صياغة الشخصية المتصفة بالألق والاقتدار، حقا إنها نعمة إلهية يقدرها من يعمل على تربية أبنائه تربية سليمة من خلال تنمية مداركهم العقلية والأخلاقية والاجتماعية، فحين يحدثهم الآباء والأمهات عن شجرة العطاء التي انعتقت من سنخ الأنانية والنفعية، فكانت حركة حياتها متجهة نحو رضا المعبود في كل خطاها جاهدة على تنضيج العقول وتهذيب النفوس وتنزيهها من الرذائل، توأمة وممازجة بين القول النضاح بالحكمة والرشد وبين الفعل على أرض الواقع المصدق لمنطقها، وهذا سر الاقتداء بهذه العظيمة وسيرتها وأخذها لموقعية الهرم العالية والجاذبية المنطقية لا العاطفية البحتة، في النفوس الهائمة بالتحرر من الجهل والطالبة للرفعة والتخلص من العيوب والنقائص، والدعوة لقراءة السيرة الفاطمية للتحلي بجوانب العظمة منها هو ما نفهمه من الكلمات الواردة في حقها (ع) عن رسول الله (ص) المبينة لصفاتها ومقامها الرفيع، حقا إنها (ع) الكوثر المعطاء الذي أدخل السرور على قلب المصطفى وزين حياته الكريمة بالأنس، فهي أم أبيها التي عوضته عن حرمان اليتم بمشاعر قلبها الفياض بالرقة والحنان، وخففت عنه أعباء الرسالة والأذى النفسي والجسدي الذي لاقاه من المعاندين والجاحدين لآيات الله تعالى، فقد بلسمت جراح نفسه المعنوية وكانت عونا له منذ نعومة أظافرها.
جانبان مهمان في شخصية المرأة، وهما: العقل المتخلص من أغلال التبعية والانقياد الأعمى والمنفتح على أبواب المعرفة وتكوين الزاد المعلوماتي والثقافي، الذي يسعفها في وسط لجج الحياة المظلمة حيث تنتشر الشبهات الفكرية والعقائدية والدعوات الشيطانية الداعية إلى تحويل دورها التنموي في الأسرة والمجتمع إلى مجرد جسد يتاجر به بين وسائل الإعلام الهابطة، والجانب الآخر: تهذيب النفس وتحليها بالفضائل والأخلاق الكريمة وتخلصها من العيوب والأمراض الأخلاقية، والصديقة الزهراء (ع) مصدر الإلهام والاستلهام للقيم والأسس التي تبنى عليها وتصاغ شخصية الفتاة والشاب الواثق من نفسه والمتمكن من تنمية قدراته ومهاراته بعيدًا عن الكسل.
ولننظر إلى ما تقدمه سيرة الحوراء الإنسية (ع) لمن يقرأ سيرتها ومواقفها بتمعن وتدبر، فعمرها القصير لم يحل بينها وبين العطاء الكبير في مختلف الجوانب المعرفية والاجتماعية وتقديم النموذج الأروع في التعامل مع الآخر وفق قيم الإسلام العالية، والمواقف العظيمة للزهراء (ع) خير نبراس لفتياتنا وشبابنا في مواجهة الصعوبات والمشاكل بهدوء وبأقل الخسائر، فهي (ع) روح الصبر و الثبات في وجه التحديات ومتاعب الحياة بعيدًا عن الانكسار النفسي واليأس وندب الحظوظ، بل هي (ع) مدرسة المثابرة والتمسك بالأمل والعمل بحسب الإمكانات المتاحة.
الحياة ميدان عمل يحتاج إلى إرادة قوية وحكمة في التفكير وبصيرة بالعواقب وصبر يتجاوز به صاحبه المتاعب والعثرات، ونحن بين يدي الزهراء (ع) التي كانت عونا لأبيها في طريق التبليغ والإرشاد نستلهم درسا في تحمل المتاعب، حيث كن النسوة يجتمعن في بيتها ليستمعن إلى الأحكام الشرعية وتنوير العقول بالحكم والمواعظ، وكذلك نحن نحيا بين يدي سيرتها المعطاءة (ع) لنستقي الدروس والعبر، فنخوض غمار الدراسة والعمل وبين ناظرنا سيرة العمل المثابر لمولاتنا الزهراء (ع) فيشتد أزرنا ونعمل بكل قوة واقتدار، ونتعلم من حكمتها وهدوء نفسها وورعها أن نرتب أوراق حياتنا وعلاقاتنا بعيدًا عن التهور والانفعالات.
فما أحوجنا اليوم إلى إشباع أسرنا بالعاطفة الصادقة والمشاعر الرقيقة حتى يكتسب أبناؤنا الثقة بالنفس و يكون خير دافع لهم للبعد عن أصدقاء السوء، فالحرمان العاطفي الناشيء من انشغال الآباء والأمهات وكذلك انشغال الأبناء بوسائل التواصل الاجتماعي أحدث فجوة في العلاقات بين أفراد الأسرة وحرمهم من تفقد أحوال بعضهم، ومولاتنا الزهراء (ع) في كلماتها النيرة ومواقفها الأسرية والاجتماعية مدرسة تربوية علينا تلقف الدروس والعبر منها، من خلال الدراسة الوافية لسيرتها ومن ثم تحويلها إلى مجموعة ومضات معرفية وسلوكية تنتظم حياتنا من خلالها.