أقلام

العالِم ليس كما يتوقع الناس

صالح المرهون

للعلماء في شريعتنا الإسلامية منزلة عالية ومكانة رفيعة بالاحترام والتقدير، فهم ورثة الأنبياء والأوصياء، وحملة الشريعة وهم روح الأمة وحياتها وفيهم -بعد الله سبحانه وتعالى- رجاؤها، إن توقعات الناس تجاه التزام العلماء بالعلم الذي يختزنونه، ربما تخالفها حقائق الأمر الواقع في كثير من الأحيان، مثلًا في المجال الديني، يتوقع الناس أن العالم أو المعروف برجل الدين يعرف الحلال والحرام بأنه ملتزم حرفيًا بقيم الدين وأحكامه، فمن الممكن أن لا يحدث هذا، ويخالف حقائق الأمر الواقع كثير من الأحيان، فهو يمتلك المعرفة الدينية، ولكنه غير ملتزم بها، نتيجة الأهواء والعاطفة والشهوات والمغريات التي قد تسيطر على كيانه وقلبه، ومثال على ذلك مانعيشه الآن في وقتنا الحاضر من تعصب وفرق وأحزاب لا يحمد عقباها والتهجم على بعض المراجع وأتباعهم، وعدم التمييز بالأحكام وخلط الأوراق، كما يتحدثون هذا مقلد لفلان وذاك مقلد لفلان وغيرها من الاختلافات، الناتجة عن الجهل وغير المعرفة، وأسباب كثيرة في ذلك، كقضية مولاتي وسيدتي الزهراء وماحصل من الهجوم على بيت السيدة فاطمة الزهراء، وعصرها وضربها وكسر ضلعها ولطمها، هنا اختلفت بعض أراء العلماء في هذا الشأن، ومن له رأي آخر غير هذا الرأي تعرض للشتم ، لابد بأن يكون عندنا أسلوب للحوار يتضمن انتقاد بناء بدون تهجم من الطرفين، حاول أن تناقش الطرف الآخر المختلف معك في الرأي بالتي هي أحسن وبدون تعصب أو تشدد، وكذلك الاختلاف في التقليد مابين مقلدين السيد الخوئي رحمة الله عليه، ومقلدي السيد علي السستاني مطلق، كلنا في النهاية تجمعنا ولاية أمير المؤمنين(ع) والتمسك بأهل بيت الرحمة، ومثال ذلك ماجاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها)فهؤلاء الأشخاص المتسببون في الخلافات يعرفون جيدا أحكام الدين والمبادئ والقيم ويعرفون الحلال والحرام، ويعرفون أسلوب النقاش ويعرفون الانتقاد البناء، ويعرفون حكم الغيبة والنميمة ومع ذلك بعضهم يتهجم على بعض المراجع مع العلم أنهم رجال دين، فلم يلتزموا ولم يطبقوا ماجاء من أحكام الدين، والسبب يميلون مع الأهواء والعاطفةوالشهوات، ويرغبون في المكانة الاجتماعية والسمعة، فأصبح رجل الدين أو العالِم في وضع أسوأ من الناس العاديين، فقد روي عن الرسول الأكرم محمد(صلى) أنه قال:( أن أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه) وفي حديث آخر قال:( إن أهل النار ليتأذون من ريح العالِم التارك لعلمه وأحكام دينه) مما يعني أن العالم غير العامل بعلمه والتارك لأحكام دينه أسوأ من أهل النار موقعا، وأشد عذابا وأنتنهم ريحا، والمحزن في الأمر أن الناس يتجاهلون أبسط معارفهم الدينية والدنيوية فيوقعون أنفسهم في مزالق الانحرافات والخلافات نتيجة رغباتهم وشهواتهم والمغريات، هناك موانع قد تحول بين الإنسان العالم والاستفادة من علمه، ولعل أبرزها خضوع العالم إلى شهوة أو رغبة تصرفه عن العمل بالعلم، وقد يعني هذا الأمر بعض المعنين بالمجال الديني، مايسمون أنفسهم بالعلماء، كما هو وارد عن المعنين بالمعارف الدنيوية، فهناك في المجال الديني من يعرف أحكام
وقيم الدين على نحو جيد ، لكنه مع ذلك يخالفها اتباعا للأهواء والشهوات والمغريات، وهذا ماتشير إليه الآية الكريمة في قوله تعالى( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) وكما هو واضح بأن الآية تقصد عالم قد ضل وأنحرف استجابة
الى هواه ورغباته ومغريات الحياة، وعلى ذلك ما جاء في
قوله تعالى:( وأما ثمود فهديناهم فاستجابوا العمى على الهدى) كذلك العالم الذي لم يلتزم بأحكام دينه ولم يعمل بها ويضرب بها عرض الحائط، مما يعني أن العالم غير العامل بعلمه
التارك لأحكام دينه
أسوأ من أهل النار والمخالفين للأنظمة والتعليمات المرورية، والحال نفسه على المستوى الصحي، عدم تقيد المريض بالأدوية ومخالفة أوامر الطبيب، فالمشكلة هنا ليست مرتبطة بنقص المعرفة والعلم، وإنما تتعلق بالخضوع للرغبات والأهواء والمغريات والعاطفة والشهوات والاستسلام لتلك المغريات الدنيوية، التي تجعل الناس كالرعاة يتجاهلون علمهم ومعارفهم وعن الحقيقة، فيودي بهم إلى المهالك، والإنزلاق في الأخطاء
والأستمرار عليها، والدراسات
والأبحاث إلى أن أكثر الناس والمجتمعات التي تلحقهم مشاكل وأخطاء نتيجة الخضوع للرغبات والمغريات والاستسلام
لها، كالعالم المتجاهل لعلمه التارك لأحكام دينه
واتباع الأمور الدنيوية لا الدينية، كما ورد عن أمير المؤمنين(ع)
أنه قال:(كم من عقل أسير تحت هوى أمير) فقد شبه عقل العالم الأسير المقيد تحت هواه ورغباته المسيطرة على عقله وكيانه أسير لأمير، ولا يخفى عليكم أخواني أن هناك علماء مخلصين عاملين على غيرهم بدرجات، وهم أفضل من أنبياء بني إسرائيل، ولااعني بذلك بحصر العلماء هنا بالمجتهدين بل حتى العلماء الفضلاء، فهؤلاء متى ما عملوا بما علموا ودعوا إليه وجاهدوا في الله كانوا أفضل من أنبياء بني إسرائيل، والمقصود بالعلماء العاملين من علماء آل محمد، والمقصود هو العالم الداعية الذي يعمل لنشر الدين والفكر الديني والعقيدة في المجتمعات العطشى المحتاجة المفتقرةإلى الإرشاد وهكذا، اللهم أرزقنا العلم والمعرفة واتباع أحكام ديننا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى