الدعاء توطئة للنفس في مواجهة دراما الحياة
هاني الحجي
الدعاء يحمل نفحات إيمانية عميقة تجعل الروح تتعالق مع الشروق، ويعطي بكلماته جرعة روحية تلجم التمرد الجسدي، ويساهم في توطئة النفس لفتح ستارة الحياة على مشاهد روحية لمواجهة دراما الحياة اليومية.
تتضمن بعض الأدعية أيضًا الحِكم والمعاني الأدبية، فبعضها أشبه بالقصائد النثرية بسبب بلاغة العبارات ورقة الكلمات وعذوبتها. والدعاء يجعل الإنسان يغوص في أعماق النفس، ويبحر في محيطات الروح، ويعطي من يقرؤه أو يستمع إليه مفاتيح لفهم الكون وكشف متاهات النفس، ويساعد على تجاوز عثرات الذات وتخطي كبوات الزمن وبناء إرادة الصبر.
الدعاء لا يمثل مجرد حالة روحية وعبادية فقط، بل يؤسس لنظريات في علم التربية والنفس، ويكون حالة علاجية للنفس، وتربية روحية، وترويض للشهوات الجسدية.
وهو حالة ارتقاء من العبد وتحليق بالروح من عالم الماديات إلى الروحانيات في علاقة العبد بخالقه، ويساهم في تخليص النفس من الضغوط النفسية والتوترات، فالدعاء يساعد في التخلص من الأمراض النفسية عن طريقة التعبئة الإيمانية. ومن خلال متابعتي لعدد من المختصين في علم النفس حول العادات النفسية للمكتئب أو ممن يشعر بضيق أو إحباطات نفسية، يتم توجيههم باستخدام الإيحاء النفسي وتعزيز الجوانب الروحية من خلال أداء بعض التمارين الروحية والسكيلوجية التي تساعد على الارتقاء بالروح وتعزيز الجوانب الإيمانية في أعماق الإنسان للتخلص من السلبيات وتجاوز الماديات إلى عالم الروحانيات.
وكل هذه العوامل التحفيزية موجودة في تراثنا من الأدعية، فهناك دعاء للرزق ولتفريج الهموم وغيرها مما يحتاجها الإنسان في بناء روحه ومواجهة ضغوط الحياة وأداء التمارين الروحية التي تجعل المؤمن يشعر أنه ليس وحيدًا في هذا العالم بل إنه يستمد قوته ووجوده من خالقه، وهذا بحد ذاته يعزز مشاعر الإيمان في داخله ويساعده في تجاوز السلبيات، وتعزيز الطاقة الإيجابية.
وبعض الأدعية فيها مضامين لفهم فلسفة الحياة وقراءتها، وتشمل توجيهات للمؤمن ليأخذ بالأسباب ويعمل لأجل التوسع في الرزق، ولتجاوز ما يمر به من مراحل نفسية أو ظروف اقتصادية أو محاولة لفهم نفسه ووجوده، ويزرع الدعاء الأمل لدى الإنسان في الرجاء والطلب من خالقه بعيدًا عن ذل السؤال أو الشكوى للمخلوق.
(ادعوا ربكم تضرعًا وخفيه إنه لا يحب المعتدين).