كيف تطلق العنان لإبداعك، حتى لو ترى نفسك مفكرًا عاديًا؟
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
بقلم ليلي تشو، أستاذ مساعد في الإدارة ونظم المعلومات وريادة الأعمال، جامعة ولاية واشنطن
يمارس الناس التفكير الإبداعي(1، 2) كل يوم، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا. لو ظننت أن الإبداع/ الخلاقية(3) أنه موهبة فطرية؟ أعدالنظر مرة اخرى.
يعتقد الكثير من الناس أن التفكير الإبداعي صعب مستصعب – وأن القدرة على ابتكار أفكار بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام لا يقدر عليها إلابعض الموهوبين، لا معظم الناس.
غالبًا ما تصور لنا وسائل الإعلام المبدعين على أنهم ذوو شخصيات فريدة وغريبة ومتميزة(4، 5) ولديهم مواهب فريدة. حدد الباحثونأيضًا العديد من سمات الشخصية المرتبطة بالإبداع، كـالانفتاح على الخبرات والتجارب والأفكار ووجهات النظر الجديدة(6). يبدو أنها معًاترسم لنا صورة سيئة عن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم مفكرين تقليديين / عاديين، وكذلك أولئك الذين لا يعملون في وظائف إبداعية – بمافيها الوظائف التي غالبًا ما تُعتبر تقليدية / عادية وغير إبداعية، مثل المحاسبة وتحليل البيانات.
هذه المعتقدات تغفل جانبًا رئيسًا عن كيف يعمل الإبداع في الدماغ: التفكير الإبداعي هو في الواقع شيء نمارسه كل يوم، سواء أدركنا ذلكأم لم ندركه. علاوة على ذلك، الإبداع هو عبارة عن مهارة يمكن تقويتها. وهذا يُعد مهمًا حتى بالنسبة للذين لا يعتبرون أنفسهم مبدعين أو لايعملون في مجالات إبداعية.
في البحث(7) الذي نشرته مؤخرًا مع باحثيَنِ في التنظيم والإدارة هما كريس بومان Chris Bauman ومايا يونغ Maia Young، وجدناأن إعادة النظر في تفسير الحالة المحبطة والمخيبة للآمال، التي بإمكان المرء أن يعمل أي شيء حيال المشكلات التي قد تسببها، قد تعززوتقوي إبداع المفكرين التقليديين.
توظيف التفكير الإبداعي للتغلب على المشاعر السلبية
غالبًا ما يُعرّف الإبداع على أنه عملية تنطوي على توليد أفكار أو رؤى جديدة ومفيدة. أي أن الأفكار الإبداعية لابد أن تكون أصلية وغيرمتوقعة، ولكنها أيضًا مجدية ومفيدة. أمثلة يومية على عملية الإبداع وفيرة، ومنها: جمع بقايا الطعام لإعداد طبق جديد لذيذ؛ والتفكير فيطريقة جديدة لإنجاز الأعمال المنزلية؛ والمواءمة بين قطع الملابس القديمة لتظهر بملبس جديد.
هناك طريقة أخرى لتوليد أفكار ابداعية وهي ممارسة ما يسمى بـ”إعادة تأطير حالة سلبية والتفكير فيها بصورة ايجابية(8) [المترجم: منأمثال: “ولعل الذي أبطأ عني هو خير لي”]“ – وهو عبارة رؤية الحالة بعدسة أخرى لتحويل المشاعر السلبية إلى أخرى ايجابية. هناكعنصر إبداعي في هذه الطريفة: الابتعاد عن وجهات النظر والافتراضات القائمة والتفكير فيها بطريقة جديدة.
لنفترض أنك محبط ،ن مخالفة تلقيتها بسبب ركن سيارتك خطأً . للتخفيف من مشاعرك السيئة بإمكانك اعتبار المخالفة على أنها فرصةتعلمت منها لا تكررها في المستقبل.
إذا شعرت بالقلق بشأن المحاضرة التي ستلقيها في مكان عملك، فبإمكانك التغلب على الشعور بالقلق وذلك بتأطيرها على أنها فرصة لكلتتبادل أفكارًا مع الحاضرين، بدلاً من تقديم المحاضرة على أنها شيء يترتب عليه رهانات ومخاطر كبيرة قد تؤدي إلى خفض مرتبتك / درجتك الوظيفية لو قدمتها بصورة سيئة [ولم تنجح في تقديمها بصورة مرضية](9).
وإذا مرة غضبت من تصرفات أحد الأشخاص التي ربما بدت عدائيًة بلا سبب أثناء حوار حدث بينكما، فبإمكانك أن تعيد النظر في الموقف،وتنظر إلى تصرفاته على أنها ليست متعمدة ولا تسبب ضررًا [المترجم: يعني أن تظن به خيرًا وتحمله على سبعين محمل كما ورد].
تدريب قواك الإبداعية
لاختبار العلاقة بين التفكير الإبداعي وبين إعادة تأطير حالة سلبية والتفكير فيهاايجابيًا، قمنا باستطلاع آراء 279 شخصًا(10). يميلأولئك الذين حظوا بمرتبة عليا في سلم الإبداع إلى إعادة تأطير الحالات السلبية والتفكير فيها ايجابيًا في كثير من الأحيان أثناء حياتهماليومية.
مستوحين من العلاقة بين إعادة تأطير الحالات السلبية والتفكير فيها ايجابيًا وبين التفكير الإبداعي، أردنا أن نرى ما إذا كان بإمكاننااستخدام هذه الرؤية لتطوير وسائل لمساعدة الناس على أن يكونوا أكثر إبداعًا. بمعنى آخر، هل يمكن أن يمارس الناس إعادة تأطيرالحالات السلبية والتفكير فيها ايجابيًا حتى يتمكنوا من تدريب قواهم الإبداعية؟
أجرينا تجربتين حيث تعرضت عينتان من مشاركين جديدتان – مجموعهما بلغ 512 شخصًا – إلى سيناريوهات مصممة لإثارة استجابة انفعالية لديهم. وكلفناهم استخدام أحد أساليب ثلاثة لإدارة انفعالاتهم. طلبنا من بعض المشاركين تثبيط استجاباتهم الانفعالية، وطلبنا منالبعض الآخر أن يفكروا في شيء آخر يشتت انتباههم ويلهيهم وطلبنا من المجموعة الثالثة إعادة تأطير الحالة الإنفعالية والتفكير فيها منمنظور مختلف. بعض المشاركين لم يستلموا أي تعليمات بشأن كيف يديرون مشاعرهم.
في مهمة تالية ليس لها علاقة بالطلبات السابقة، طلبنا من المشاركين ابتكار أفكار إبداعية لحل مشكلة من مشكلات العمل.
في التجربتين السابقتين، المفكرون التقليديون / العاديون الذين حاولوا إعادة تأطير الحالة الإنفعالية والتفكير فيها إيجابيًا توصلوا إلى أفكاركانت أكثر إبداعًا من الأفكار التي توصل إليها المفكرون التقليديون الآخرون الذين ثبطوا استجاباتهم الانفعالية، أو الذين فكروا في شيءيشتت انتباههم ويلهيهم أو المجموعة التي لم تتلقَ أي تعليمات على الإطلاق.
تنمية التفكير المرن [التفكير المرن هو التوصل إلى أكثر من حل واحد للمشكلة]
المشاعر السلبية مشكلة لا مفر منها أكانت في العمل أم في الحياة اليومية. ومع ذلك، غالبًا ما يخفي الناس مشاعرهم السلبية عن الآخرينأو يفكرون في / ينشغلون بـ أشياء تشتت اتباههم (تلهيهم) لتفادي التفكير في إحباطاتهم .
النتائج التي توصلنا إليها لها آثار ايجابية في كيف يفكر المدراء في أفضل طريقة للاستفادة من مهارات الموظفين لديهم. عادة ما يقومالمدراء بتعيين المرشحين على وظائف إبداعية وغير إبداعية بناءً على قرائن تشير إلى إمكانات إبداعية لدى البعض(11) هذه القرائن ليستعوامل تنبؤية هشة على الأداء(10)، ولكن الممارسات المستخدمة في توظيف الموظفين هذه قد تحد أيضًا من استفادة المدراء من الموظفينالذين يمكن أن تلعب معرفتهم وخبراتهم أدوارًا رئيسة في توليد أفكارًا إبداعية.
والنتيجة هي أن الإمكانات الإبداعية لجانب كبير من القوة العاملة قد تكون غير مستغلة بالكامل. تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنهيمكن للمشرفين أن يدربوا القوة العاملة ويطورا تدخلات لتنمية القوة الإبداعية في موظفيهم – حتى في أولئك الموظفين الذين قد لا يظهرعليهم ميل للإبداع.
يشير بحثنا أيضًا إلى أنه يمكن للناس ممارسة التفكير المرن كل يوم في حال تعزضهم لمشاعر سلبية. على الرغم من أن الناس قد لايتحكمون دائمًا في الظروف الخارجية، إلا أن لديهم الحرية في اختيار كيف يتغلبون على المواقف الانفعالية – ويمكنهم فعل ذلك بطرقتساعدهم على زيادة إنتاجيتهم وتحسين رفاهيتهم.
مصادر من خارج النص
1- “التّفكير الإبداعي هو التأمل في شيء بطريقة مختلفة وجديدة، وهو ما يُعرف بالتّفكير خارج الصّندوق، حيث يشتمل على التفكيرالجانبيّ(2) أو القدرة على تصور أنساق غير بديهية أو واضحة في أحد الأشياء، ينطوى التفكير الابداعي على القدرة على ابتكار وسائلجديدة لحلّ المشكلات ومواجهة التّحديات والصعوبات”. ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.thebalancemoney.com/creative-thinking-definition-with-examples-2063744
2- “التفكير الجانبي أسلوب لحل المسائل يقتضي الخروج عن المناهج المنطقية المألوفة والتفكير بطريقة أوسع بكثير من المعتاد. يرتبطالتفكير الجانبي بالمفكر العالمي إدوارد دي بونو، وقد سماه كذلك ليميزه عن نوع آخر من التفكير سماه التفكير العمودي والذي يستند أساسًاإلى المنطق أو ما يألفه الإنسان ويعتاد عليه. وقد اعتمد في تطويره لهذا النوع من التفكير على فهم الآلية التي يعمل بها الدماغ من الناحيةالعلمية، أي بما توصل إليه علم الأعصاب.“ مقتبس ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/تفكير_جانبي
3- “الإبداع حالة عقلية بشرية هدفه إيجاد أفكار أو طرق ووسائل غاية في الجدة والتفرد بحيث تشكل إضافة حقيقية لمجموع النتاجالإنساني؛ كما يعتبر فائدة حقيقية على أرض الواقع إذا وجد له تطبيقات أو شكّل تعبيراً وأسلوباً جديداً عن حالة ثقافية أو اجتماعية. فالإبداع إنتاجًا جديدًا ومفيدًا وأصيلًا ومقبولًا من الناحية الاجتماعية، ويحل بعض المشكلات بشكل منطقي. ومن التعريفات الأخرىللإبداع:
· الإبداع هو الإتيان بجديد أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة.
· التعامل مع الأشياء المألوفة بطريقة غير مألوفة.
· القدرة على تكوين وإنشاء شيء جديد، أو دمج الآراء القديمة أو الجديدة في صورة جديدة، أو استعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتىتلبي الحاجيات بطريقة جديدة أو عمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو أخرى.
· المبادرة التي يبديها أحد الأشخاص بقدرته على الاشتقاق من التسلسل العادي في التفكير إلى تسلسل مختلف تمامًا.
من صور الإبداع:
• أن ترى ما لا يراه الآخرون
• أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة
• تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة
• الطاقة المدهشة لفهم واقعين منفصلين والعمل على انتزاع ومضة من وضعهما جنباً إلى جنب
• طاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها
• القدرة على هل المشكلات بأساليب جديدة.
مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/إبداع
4- https://www.newyorker.com/magazine/2011/11/14/the-tweaker
5- https://knowyourarchetypes.com/personality-types-list/quirky-personality/
6- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/jocb.170
7- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S074959782200098X?via%3Dihub
8- https://psycnet.apa.org/fulltext/2020-03346-001.html
9- https://digitalcollections.babson.edu/digital/collection/ferpapers/id/2848/rec/8
10- https://journals.aom.org/doi/abs/10.5465/30040623
11- https://journals.sagepub.com/doi/10.1177/0001839215616840
المصدر الرئيس: