دراسة أثبتت ثنائية العقل والجسد عند غير المصابين باضطرابات عصبية، كالتوحد
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
بقلم سينثيا ماكورميك هيبر
ورقة بحثية جديدة أعدتها برفسور إيريس بيرنت Iris Berent من جامعة نورث إيسترن، توضح أن كون العقل والجسد منفصلين ومتميزين فكرة انبثقت بشكل طبيعي في الذين ليس لديهم اضطرابات عصبية، كالتوحد، وليست فقط نتيجةً للثقافة أو البيئة.
من المرجح أن يرى المصابون بالتوحد الجسم والعقل شيئًا واحدًا [غير منفصلين]، وفقًا لدراسة نشرت في مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في 30 نوفمبر 2022(1)، والتي أجرتها بيرنت مع راشيل ثيودور RachelTheodore، البرفسور في جامعة كونيتيكت، وخريجة جامعة نورث ايسترن.
بيرنت الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس المعرفي، تقول أن النتائج لها تبعات عميقة على طريقة تفكير الناس في العلم والدين والاضطرابات النفسية. تقول بيرنت: “إن النتائج تؤثر بالفعل في طريقة تفكيرنا في كل شيء”.
أطلقت بيرنت على التمييز بين الجسد والعقل مصطلح: “ثنائية العقل والجسد”. “الثنائية هنا هي الاعتقاد بأن العقل منفصل بطريقة ما عن الجسد، وأن الجسد مادي ولكن العقل شيء آخر،” كما تقول. “تبين أنه حتى الأطفال الصغار لديهم هذه الاعتقاد، وهذا الاعتقاد يبدو ليس فقط مقتصرًا على الثقافة الغربية. بل وجدناه في كل الثقافات. ”
تقول بيرنت إن هذه الورقة البحثية هي الأولى التي تُثبت أن الآلية السيكولوجية البسيطة والضرورية للتفاعلات (للعلاقات) الاجتماعية، والتي تسمى ب “نظرية العقل(2)” ، هي المسؤولة عن نظرة الناس الطبيعيين [الذين لا يعانون من اضطرابات عصبية، كالتوحد] إلى العقل على أنه منفصل عن الجسد.
نظرية العقل تمنح الناس القدرة على معرفة المشاعر والرغبات والمعتقدات ومعرفة الذات(3)ومعرفة ما يدور في أذهان الآخرين واستنتاج ما تنطوي عليه نواياهم.
“من خلال نظرية العقل يستطيع الشخص، نوعًا ما، استنتاج {الاستدلال علي) ما يفكر فيه أو يشعر به الآخر وذلك بمراقبة أفعاله وتصرفاته،” تقول بيرنت. حتى الأطفال الصغار تبرز لديهم نظرية العقل هذه، كما تقول. “الأطفال في سن ثلاثة أشهر، على سبيل المثال، يفضلون المخلوق الذي يساعد الآخر على تسلق تلة على مخلوق يعيق حركة تسلقه. يشير هذا إلى أن الأطفال يرون تصرفات المخلوقات الأخرى من منظور أهدافهم، مثل سعيهم[أنفسهم] لتسلق التلة أو مساعدة الآخرين على تسلق التلة أو إعاقتهم عن تسلقها، ” تقول بيرنت.
تقول بيرنت إن المصابين بالتوحد يسجلون درجات أدنى في نظرية العقل المتعلقة بالمهارات المعرفية الاجتماعية(4)، ولهذا يُنظر إليهم على أنهم يعانون من مشاكل اجتماعية. وهذه المشاكل في “قراءة” أفكار الآخرين تدفع المصابين بالتوحد إلى النظر إلى عقول الآخرين على أنها لا تتمير عن أجسادهم.
في دراستها، طلب الباحثون من المصابين بالتوحد ومن غير المصابين تخيل إن كان من الممكن ايجاد نسخة طبق الأصل من أجسادهم في المستقبل. سُئل المشاركون عن الخصائص النفسية للشخص التي من المحتمل أن تبرز في هذه النسخة من الجسد – هل هي أفكاره أو أفعاله.
تقول بيرنت: ” المشاركون المصابون بالتوحد اعتقدوا أن الأفكار ستنتقل إلى النسخة أكثر مما اعتقده المشاركون غير المصابين بالتوحد”.
في تجربة ثانية، طُلب من المشاركين تخيل سمات شخص ستنتقل وستستمر معه في الحياة الآخرة – بعد تحلل الجسد. في هذه الحالة، الطبيعيون [غير المصابين بالتوحد] هم فقط الذين اعتقدوا أن أفكار الشخص ستستمر معه في الحياة الآخرة، بينما لم يعتقد المصابون بالتوحد بذلك. “المصابون بالتوحد ينظرون إلى الأفكار على أنها مرتبطة جدًا بالجسد،” تقول بيرنت.
“الاطفال الطبيعيون، بالمقارنة، يُعتبرون أكثر ثنائية من حيث العقل والجسد [يؤمنون بثنائية العقل والجسد] – إذ هم يعتبرون الأفكار منفصلة عن الجسد،” تقول بيرنت، وبالتالي، يعتقدون أن الأفكار لا تحتاج إلى جسد حتى تنتقل إلى الحياة الآخرة وتستمر – ولكن ليس في جسد الشخص أو في نسخة جسده. يمكن أن ترتبط الثنائية بفكرة أن هناك حياة بعد الموت وأن الروح موجودة ومنفصلة عن الجسد، كما تقول بيرنت.
تقول بيرنت إن الثنائية تؤدي أيضًا إلى مشاكل في فهم العلوم وعلاج الاضطرابات النفسية، والتي غالبًا ما يُوصم المرضى بها ويُلامون بالرغم من أن الدماغ هو منشأ هذه الاضطرابات.
“تُعتبر هذه الدراسة هي الأولى التي تربط هذا التفكير في الجسد والعقل بشيء، يعتبر أساسًا لنفسية الإنسان، بنظرية العقل.”
قد يكون ذلك أمرًا طبيعيًا، ولكن هناك تكلفة يتحملها المجتمع والفهم العلمي عندما يكون الجسد والعقل منفصلين، كما يتقول بيرنت. الثنائية هي جانب من جوانب سبب نظر الناس إلى الصحة العقلية بشكل مختلف عما يعتبرونه صحة جسدية عندهم، كما تقول. لكن”العلم يخبرنا أن الاضطرابات النفسية تعتبر أمراضًا، كالأمراض الأخرى، وتعتبر جزءًا من الجسد “.
مصادر من داخل وخارج النص:
1- https://www.jstor.org/journal/procnatiacadscie
2- “نظرية العقل mind theory هي المقدرة على تفسير أو توقع أفعال شخص آخر بشكل تلقائي والإدراك أنها تختلف عن أفعاله، ويمكن أن يتصور الشخص نفسه في “مكان شخص آخر” لفهم أحاسيسهم وأفعالهم والتنبؤ بها. تعتبر هذه النظرية جوهرية للحياة اليومية الاجتماعية البشرية إذ أنها أساسية لفهم وإدراك وتحليل واستنتاج سلوكيات وتصرفات الآخرين.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_العقل
3- “معرفة الذات في علم النفس هي “معلومات واقعية وأصلية يمتلكها المرء عن نفسه”. وتشمل هذه المعرفة معلومات عن الحالة العاطفية وسمات الشخصية والعلاقات مع الآخر والأنماط السلوكية والآراء والمعتقدات والقيم والاحتياجات والأهداف والتفضيلات والهوية الاجتماعية.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://positivepsychology.com/self-knowledge/
4- “المعرفة الاجتماعية social cognitionهي الطريقة التي يعالج بها الناس المعلومات ويتذكرونها ويستخدمونها في السياقات الاجتماعية لتبرير سلوكياتهم وسلوكيات الآخرين والتنبؤ بها. قد تتأثر المعرفة الاجتماعية عند الأطفال بعوامل متعددة خارجية وداخلية للطفل.” ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.frontiersin.org/articles/10.3389/fpsyg.2016.01762/full
المصدر الرئيس:
https://cos.northeastern.edu/news/research-shows-idea-that-mind-and-body-are-separate-is-natural-for-neurotypical-people/