التراشقات الاجتماعية
السيد فاضل آل درويش
ورد عنِ الإمامِ زينِ العابدين (ع): مَنْ رمى الناسَ بما فيهم، رموه بما ليس فيه)(بحار الأنوار ج ٧٨ ص ١٦٠).
يرشدنا الإمام السجاد (ع) إلى موطن خطر واضطراب في العلاقات الاجتماعية وما يؤدي إليه من كراهيات وأحقاد تصل إلى حالة القطيعة، فمن تجاوز الخط الأحمر للعلاقات المستقرة وهو احترام الآخر في حقوقه المادية والمعنوية لن ينجو من عقوبة مثلها وأكثر من ذلك، فالحديث بسوء عن الغير اقتداح للنار وإشعال لفتيل الفتنة، والذي يحرق من أوراها ولا يعرف لها خط نهاية، فالفتن الاجتماعية ككرة الثلج المتدحرجة من أعلى تكبر شيئًا فشيئًا بسبب ما يعلق بها من تراب وغيره حتى تصل بأكبر حجم، وأكبر عامل لتحطيم أي مجتمع من الداخل هو انعدام الثقة والاحترام بين أفراده وانتشار المشاعر السلبية بينهم بسبب توجيه السهام القاتلة، وهي التراشقات الكلامية بينهم فالكلمة المسيئة كرة نار وجمرة تحرق يد حاملها وتسير بين الناس كالنار في الهشيم فتحرق الجميع، ولذا تقع المسئولية على الأسرة والمجتمع بتثقيف الجميع بأهمية الكلمة واختيارها واحترام حقوق الغير في شخصيته وأسراره وخصوصياته.
وقد يتذرع البعض بأن ما اتهمت به الغير كان صادقًا ومطابقًا للحقيقة وما زاد فيه حرفا و لا تزويرا، والإمام (ع) يجيب على مثل هذا الكلام بجواب اجتماعي وليس بفقهي، إذ أن إظهار خفايا الناس يعد غيبة ويسبب كراهيات وعداوات بين الناس، وإذا أراد المرء جوابا أخلاقيًا فليضع الميزان بينه وبين الناس ما يحب ويكره، فمن منا يرضى بأن ينشر غسيله على الملأ من الناس وفي صفحات التواصل الاجتماعي وتلوكه الألسن وتصبح قضيته محور التهامس والتلفظ بالسوء، فما لا ترضاه لنفسك فلتتعامل به تمامًا مع بقية الناس، وأما الرادع لمثل هذه التعاملات المتهورة فيجيب عنه الإمام (ع) بكلام واقعي وهو ردة فعل الآخرين تجاه ما قذفته بهم من حمم كلامية، فهل تتصور بأنهم سيبقون مكتوفي الأيدي أم أنهم سيطلقون العنان لألسنتهم تجاهك فيردون عليك الكيل بمكيالين وأكثر بما لا يخطر على بالك، فمن تدنى من خصوصيات الآخرين فليستعد لرميهم بما فيه وما ليس فيه، وما يمسه شخصيا وما يمس المقربين منه من أهل وأصدقاء، ومثل هذا التراشقات معروف بدايتها ولكن إلى أين يصل شررها وإلى متى سيستمر، هذا ما لا يعرفه القادحون لها!!
دون شك أن المجالس والحوارات بين الأصدقاء تحتاج إلى مادة كلامية وحدث يتبادلون الأحاديث حوله، ولا يتردد البعض في تقديم المشوقات من خلال الخبطات الإعلامية وطرح أسرار الغير؛ لينال بينهم مكانة اجتماعية مرموقة فينتظرون بفارغ الشوق قدومه وترهف الآذان استماعا لما سيقوله، فهو يحب أن يعبر عن نفسه بأنه لا يأتي إلا بالجديد وغير المتوقع، وما يساعده على الاستمرار في تصرفه هذا والبحث يمنة وشمالًا عن خصوصيات الآخرين هو وجود من يستمع له، ولو تفكر الواحد منا قليلًا لوجد أن مثل هذه الجلسات الضارة لا تحتاج إلى استفتاء فقهي لمعرفة حكمها، إذ أن المجتمع سيتحول إلى حلقات ومجموعات كل واحدة ترمي الأخرى باتهامات وإفشاء الأسرار، وهذا ما يخرب العلاقات بين أفراد المجتمع ويضعف رابطة الثقة والاحترام بينهم، كما أن المردود والمخرجات من هكذا جلسات لا تعود على المرء نفسه بشيء نافع، فما الذي سيجنيه إن نجح هذا أو ترقى آخر في العمل؟!
ولنفكر في الأمر بنحو إيجابي في الحديث عن أحوال الأفراد والظواهر الاجتماعية بما نتجنب فيه الشخصنة والحديث بالأسماء، فلنركز على الحدث والقضية نفسها ونفكر فيها في مثل تلك الجلسات بنحو جماعي (العقل الجمعي)، فيتبادل الحاضرون الأحاديث وطرح وجهات النظر: ليخرج المجتمعون بفائدة تتعلق بدراسة الظواهر الأخلاقية والاجتماعية والبحث عن حلول للسلبي منها.
البعض لا يقدر أهمية الوقت ولا يراقب حركة عقارب الساعة وما تقطعه من أجزاء من عمره، ففكرة الفراغ من الوقت لا يعني أن نتلاعب به ونهدره بما يوقعنا في المشاكل والأضرار كما هو بالنسبة لرمي الناس بكلام السوء ونهش أعراض الآخرين، ومن يتحدث بسوء عن الآخرين بداعي تفريغ الهموم والانفعالات فهو كمن ينتقل من الرمضاء إلى نار الغيبة والفتن.