مراسم الفاتحة
صالح المرهون
هناك مراسم خاصة لأجل الميت بعد الدفن دعا إليها الدين، وسيرة المؤمنين كافية لبيان ذلك، فالمؤمنون يصلون صلاة الوحشة أو الهدية لموتاهم في ليلة الدفن أو مابعد الدفن، ويجلسون لقراءة الفاتحة والتعزية وتسلية بعضهم بعضا وصدقات وإباحة وتفقد وغيرها من المراسم الاجتماعية المفيدة للحي وللميت صلاة الوحشة أو الهدية للأموات تصلى في الليل وتهدى للمتوفي، ويمكن أن تصلي صلاة واحدة وتهدى لأكثر من شخص واحد متوفي، ووقتها ليلًا، أما لماذا اختصت باليل وتؤجل الصلاة إذا مات الميت نهارًا إلى الليل فهذا لحكم إلهية نعرف منها أن الميت في أول الموت وفي أول مراحل دخول الروح عالم البرزخ يكون عند الميت تمييز أو اتصال مع العالم الدنيوي، إذ لا يحصل الانقطاع مباشرة وتامًا، يتميز عنده الليل والنهار تمييزًا غير دنيوي فيحتاج إلى هذه الصلاة تخفيفًا من شدة وحشة الليل عليه، بعدها يتعمق ويدخل مرحلة مابعد الحد الفاصل بين العالم الدنيوي والبرزخ، فلا تمييز بين الليل والنهار، فهو في هذه المرحلة يحتاج إلى هذه الصلاة، وهو يحتاج إلى كل خير يصله من الدنيا ولكن هنا ذكر خاص لهذه الصلاة، وفي الرواية التي نقلها الفقهاء حفظهم الله وأنقلها عن كتاب الصلاة- السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره- ج٧-ص٣٤٦-٣٤٧ عن العروة الوثقى قال النبي(صلى) لا يأتي على الميت أشد من أول ليلة فأرحموا موتاكم وبالصدقة فإن لم تجدوا فلصل أحدكم يقرأ في الأولى الحمد وآية الكرسي وفي الثانية الحمد والقدر عشر مرات وإذا سلم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد وابعث ثوابها إلى قبر فلان، فإنه تعالى يبعث من ساعته ألف ملك إلى قبره مع كل ملك ثوب وحلة، ومقتضى هذه الرواية أن الصلاة بعد عدم وجدان ما يتصدق به، أما إذا تأخر دفن الميت عن الليل إلى اليوم الثاني فبعض الفقهاء قال
إن الأولى أن يؤتى بالصلاة هذه في أول ليلة بعد الموت سواء دفن أم لم يدفن، وعلق السيد العظيم عليها بقوله، الاستحباب المسارعة إلى الخير والتعجيل في دفع الشدة عن الميت الذي هو ملاك في تشريع هذه الصلاة، وأقول أن هذه الصلاة تنتفع بها روح الميت لا جسد الميت، فبعد أن فقدت الروح ارتباطها بالجسد فإنه لايهمها كثيرا دفن أم لم يدفن هذا الجسد، فتأخير الصلاة أو الصدقة أو ما شاكل من أعمال الخير إلى ما بعد الدفن لا وجه له، فروح الميت هي الآن في وضع حرج بسبب الانتقال من عالم إلى عالم مهما كانت هذه الروح.
وأستثني الأرواح الاستثنائية، فهي في هذه المرحلة احوج ما تكون إلى هذه الصلاة وأمثالها من الخير.
أما إقامة الفاتحة لروح الميت واستقبال المعزين لأهل الميت فهنا الفائدة تعود على الحي وعلى الميت، على الحي من جهة التسلية والإحساس بوقوف أهله ومجتمعه معه، وهذا أمر بالتأكيد مطلوب من الناس والمجتمع، أما الميت ينتفع بأمور كثيرة فما عدا قراءة الفاتحة والقرآن والتعزية إن تقبلت طبعا فإنه ينتفع باجتماع الناس وألفتهم، فهو سبب من أسباب اجتماع الناس وهذا له مردود قوي على الميت، ولهذا من الجميل أن يعتني أهل المتوفى بهذا الأمر حتى في وضع اجتماعهم ووقوفهم وترتيبهم بحيث يتمكن المعزي لهم من جلوسه براحة وسلامه براحة، وهذا يشمل أمور كثيرة هي واضحة للجميع.
وفي مجالس التعزية المعروفة، من الممكن أن تبدأ هذه المجالس بقراءة الفاتحة إلى المتوفى والمتوفين، ثم عدد معين من الصلاة على محمد وآل محمد نيابة عن المتوفى وتهدى إلى إمام معين، فهذه الصلوات مجال تقبلها أوسع من غيرها، ثم يعقب بكلمة قصيرة أو أبيات حسينية لمدة لا تزيد عن ثلث ساعة، وأيضًا يستمع لها نيابة عن الميت، بعد هذه الفقرة تلقى كلمة مختصرة جدا عن الميت، وأن الإنسان مهما كان فلديه ذنوب وتبعات لله وللعباد، وأفضل ما يعمل له في هذا المجلس أن يستغفر له، فعلينا أن تقوم بالاستغفار له لمدة دقيقتين أو أكثر بقولنا اللهم رب محمد وآله اغفر لفلان أو فلانة بحق محمد وآله، بعد ذلك يتهيأ الجميع لقراءة دعاء التوسل، التوسل إلى الله بأهل بيت الرحمة في أن يقرب المتوفى لمحمد وآله أكثر، وأن يمن عليه محمد وآله بعطائهم غير المتناهي، وأن ينفسوا عنه كل ضيق يمر به، وبعد ههذا التوسل أيضًا عدد معين من الصلوات كالسابقة، وبعد هذا التوجه لإمام الزمان، التوجه بزيارته بتوجه وعدم إطالة، أي توجه مختر براحة وإقبال، والطلب منه صلات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين أن يكفر عن المتوفى الذنوب التي لم تزل، أو آثارها لم تزل، ويتقبل الله أعماله بأحسن وأرقى قبول وذلك بشفاعة صاحب الزمان له عند الله، وبعدها يأتى دور الوجبة الأخيرة من الصلوات، وحبذا لو تكون مجموع صلوات في المجلس كله مائة صلاة على محمد وآل محمد.