أحترام أم اهتمام
أمير الصالح
يهتم عدد كبير من الشباب بحيازة اهتمام الآخرين. فترى البعض يتخذ من السناب شات أو اليوتيوب والتيك توك قنوات للفت الانتباه نحوه بأساليب مختلفة مثل التهريج أو العنف أو الصراخ أو المناكفة العبثية أو التهكم أو التفحيط أو إصدار أفعال مشينة. والواقع أن كل منا في سن معين احتاج أو يحتاج إلى أن يلفت انتباه الآخرين نحوه لإحراز إعجابهم وإيجاد قبول اجتماعي بينهم واستحصال ثقتهم وأخذ وضع معين بينهم. ومع زيادة مستوى النضج لدى هذا أو ذلك الإنسان نرى بأن إحراز الاحترام أهم لديه من لفت الانتباه له. لأن بعض أساليب وأدوات الانتباه قد تجلب المتاعب للباحث عنها وتضعه ضمن اُطر محدده يستجدي فيها قبول الآخر بشكل حثيث ومستمر. وقد يصل بالبعض إلى بيع جزء من كرامته من أجل جلب الانتباه له. والبعض يصر على بناء شخصيته ضمن معايير كرامة عالية فيكسب الانتباه والاحترام معًا ولو بعد حين من الزمن.
أدعي ومنطلق ادعائي هو الملاحظة الاجتماعية، بأن الاهتمام بجلب الانتباه يطرأ على الشخص الذكر من سن السادسة حتى سن الخامسة والخمسين عامًا، والانثى من سن السادسة حتى آخر عمرها.
وحسب ما أرى، ففي مقتبل العمر يكون الإنسان غير مدرك لمفاهيم مثل الاحترام فيخلط بين مفهوم الاحترام والقبول فيعمل أعمالًا لجلب الانتباه نحوه.
وفي مراحل أخرى لاحقه من العمر يستخدم ذات الشخص أدوات الانتباه لتبريز وتسويق ذاته ليشق طريقه ويبني علاقاته وقد يكون الهدف والغاية الحصول على وظيفة أو الاقتران بزوج. وفي مراحل متاخرة من العمر يكون الإنسان بحاجة للرعاية فيحدث جلبة ويتصنع أزمات ليلفت انتباه من حوله ويحظى برعايتهم وتحننهم عليه.
نعم من يكون عقله راجح ولحكمة تفوح من ثنايا سلوكه وأقواله وكتاباته، فيميز المرحلة الملكية من عمره مبكرًا و يقنع بمكاسبه ولا يعير اهتمامًا بموضوع لفت الانتباه نحوه ويعيش الاحترام لذاته ويطمع فيما عند الله وييأس فيما عند ايدي الناس، فقد رِزق رجاحة عقل تستحق الغبطة.
هنا يبرز سؤال: كيف يخلق الإنسان الاحترام من حوله؟ قد يقول البعض: أن يكون الإنسان عطوف ودود، رزين، يتكلم بالحق، يبتعد عن الجدال ويعرض عن الفجور، مبادر في صنع الحلول، يتحقق من الأمور بدل استخدام الافتراضات وإصدار الأحكام جزافًا، يُحسن العشرة مع الآخرين ودمث الخلق، يتعلق بالحق وأهله قولًا وعملًا ويلتزم باداء الواجبات ويقر بالحقوق للآخرين. فإنه حينذاك عُد إنسانًا محترمًا وسيقر من حوله بذلك ولو بعد طول زمن من التهميش. والاحترام يتم اكتسابه ولا يتم شراءؤه أو البحث عنه في أروقة مهرجانات أو ديوانيات أو تهريج أو التقرب لأصحاب الأموال الطائلة أو بركوب سيارة فاخرة أو اقتناء منزل فخم . فالإنسان العصامي والمكافح والمعتمد على نفسه محل احترام وهو كفء له.
الرجل الطفولي childish men يعتقد أن الاحترام وجلب الانتباه هما نفس الشيء ولذا تزاه يتصنع شخصية مزدوجة لجلب الانتباه.
والواقع إن الإنسان الأصيل بانضباطه والتزامة بقيم الفضيلة ويبني مصداقيته في أعماله وأقواله فينجذب الأسوياء والعقلاء لاحترامه بجداره. والإنسان المهرج الذي يتصنع ويطلق مفرقعات وأحداث صاخبة بين الحين والحين الآخر ينطفئ ذكره ويُطمس حسه مع زوال أدوات تهريجه من مال أو منصب أو جمال جسد أو قوة بدن أو علاقة أو تفويض. بصورة مختصره: الاحترام أهم من جلب الاهتمام لأن الاحترام يدوم وجلب الاهتمام يزول بزوال المؤثر.