(ربيع القرآن) تدشن جلستها التدبرية الأولى مع آية الإشهاد (ألست بربكم)
عيسى الربيح: الأحساء
دشنت “ربيع القرآن”، أولى ورشها التدبرية عبر تقنية (قوقل ميت)
وكانت جولة الميدان في رحاب الآيات من قوله تعالى: { وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِیۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّیَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰۤ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ شَهِدۡنَاۤ أَن تَقُولُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَـٰذَا غَـٰفِلِینَ (172) أَوۡ تَقُولُوۤا۟ إِنَّمَاۤ أَشۡرَكَ ءَابَاۤؤُنَا مِن قَبۡلُ وَكُنَّا ذُرِّیَّةࣰ مِّنۢ بَعۡدِهِمۡۖ أَفَتُهۡلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ (173) وَكَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلَعَلَّهُمۡ یَرۡجِعُونَ (174) } [سُورَةُ الأَعۡرَافِ: 172-174].
وابتدأ الجلسة الكاتب وضاح اليوسف وكان عنوان مداخلته (ميثاق الربوبية بين المؤمنين والملحدين) وتحدث في محورين الأول: كيفية أخذ الله للميثاق من بني آدم، حيث مثلت مرحلة المعرفة خطاب الله لعباده ومثلت مرحلة التصديق: السؤال من قبل الله لجميع بني آدم “ألست بربكم” فصدقوا بذلك كما هو ظاهر الآية، تليها مرحلة الاعتقاد: الإقرار من الجميع بالربوبية لتتم الحجة عليهم.
وفي المحور الثاني: انقسام بني آدم بين مؤمن بالربوبية ومنافق وملحد، حيث شاءت حكمة الله في عملية أخذ الميثاق وحفظ هذه المعرفة الإلهية في ذاكرة غير قابلة للمسح (الفطرة) والتذكرة المستمرة لبني آدم بهذا التوحيد عبر الأنبياء والرسل والكتب السماوية وغير السماوية والتفكر العقلي في أنفسنا وفيما حولنا، والنتيجة الانتفاع والتذكر بهذا الإيمان.
كما تحدث اليوسف حول بداية الانحراف عن عقيدة التوحيد واحتمل أن يكون بداية الانحراف وقع في ذلك العالم إذ كانت شهادتهم أمام الله كاذبة، أو قد يكون وقع في هذه الدنيا بعد الإقرار والتسليم.
ورجّح اليوسف أن يكون سبب هذا الانحراف عدم تعلق قلوب هؤلاء بالله بتأثير من الأهواء والشهوات، وقد لمحت الآية إلى قضية الغفلة لتدرأ من هذه الفئة أي عذر، فتكون بذلك حجة الله واضحة.
بعدها جاءت المداخلة الثانية مع الكاتب زكريا العباد وكانت بعنوان: (آية الميثاق والسياق) حيث تأمّل العباد الآيتين اللتين جاءتا قبل وبعد المقطع، وهما: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)). ثم جاءت الآية بعد الميثاق:(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ).
وذكر أن من خلال هذا السياق نكتشف أن الحديث عن الهداية وأسبابها وطبيعة البشر وكيفية إيمانهم وانسلاخهم من إيمانهم رغم اتضاح الحقائق وجلائها، والآيات ضمن هذا السياق تمثل دعوة للتأمل في ظاهرتي التذكر والنسيان ضمن علاقتهما بظاهرة الهداية والضلال، وبسبب جحود الإنسان وتعاطيه المتكبر فإنه قد حرم نفسه من ترسيخ هذه الحجة.
ثم عرّج العباد لاكتناه معنى (من ظهورهم) وأوضح بأن الحد الأدنى المتحصل من هذه الرحلة في عالم الرمز أن للإنسان نوعَ وجودٍ (ذري) سابق للوجود المادي، وهو وجود واع وحقيقي بحيث يسوغ أن يكون حجة على ما بعده من أحداث وعوالم، وحتى لو أنه تم نسيانه كما هو حاصل إلا أن المترتب على الثقة بخبر الوحي هو الإقرار بوجوده وأثره وبكونه حجة علينا.
بعدها تحدث المهندس محمد الخليفة في المداخلة الثالثة عبر وصف الآيات بأسلوب المحاورة التي تجذب المتدبر لطبيعة ذلك العالم الغامض عن تصور الإنسان الدنيوي، ثم تكلّم بشكل موجز عن أشهر الآراء في تفسير آية الميثاق.
واختتم الجلسة الكاتب (عيسى الربيح) بمداخلة أوضح فيها أهمية الالتزام المنهجي في تطبيق العناصر الأربعة المقترحة للتدبر، وأنّ على المتدبّر بعدما يتأمّل الآية ويراجع أهل التفسير أن يقدم قراءة تتلاءم وظاهر الآيات وما يرتبط بها ارتباطًا مباشرًا دون الدخول في إسقاط لما يحمله من معارف عن بعض القضايا، فالآيات التي تحدثت عن (الإشهاد الربوبي أو الميثاق) كانت ناظرة لحكاية هذا العهد والذي قد لا يدلّ بالضرورة على (عالم الذر أو عالم الأظلة والمثال) الذي تحدثت عنه الروايات من الفريقين.
كما أشاد الربيح بالمداخلات وما قدمه المداخلون من تأمّلات وقراءات عنيت بشرح موقف الإنسان من هذا العهد والميثاق الربوبي، وكيف أنّ الحجج الإلهية يتنوّع الإنسان في التعاطي معها نظرًا لما يختاره من منهج في هذه الحياة المليئة بالأهواء والرغبات والوساوس الشيطانية.
ثم أكّد على العناصر الأربعة المقترحة، والتي سبق الإشارة إليها في جلسات سابقة، وقدّم منهجًا مقترحًا في قراءة المقطع بالاعتماد على الآراء التفسيرية المحتملة.
فالعنصر الأول والثاني: الفكرة والموضوع، فالمتدبّر يستطيع عن طريق مراجعة سياق السورة وسياق المقطع اكتشاف طبيعة الموضوع وتحديد خطوطه العامة من خلال تتابع الآيات وتنقلاتها.
الجدير بالذكر أن استثمار التقنية في نشر ثقافة التدبر والارتقاء في التعامل مع القرآن الكريم عن مجرد التعامل السطحي والصوتي هو الهدف الذي تسعى إليه مجموعة (ربيع القرآن) عبر إنشاء أنموذج مبسط وقابل للاستمرار والاستنساخ.