استكشاف اكتساب اللغة لدى أطفال في بيئة متعددة اللغات
ترجمة: عدنان أحمد الحاجي
درس الباحثون كيف يكتسب الغةَ الأطفالُ الذين نشأوا في جزيرة مالاكولا في فانواتو في جنوب غرب المحيط الهادي، حيث يُعتبر تعدُّد اللغات هناك القاعدة.
لطالما أذهلت طريقة اكتساب الأطفال للغتهم الأم علماء اللسانيات. بيد أن هذه الدراسات ركزت في معظمها على أطفال نشأوا وهم يتحدثون لغة أُم واحدة ، وفي الغالب في الولايات المتحدة حيث يكتسبون ويتحدثون باللغة الإنجليزية. الباحثون في مجموعة أبحاث اكتساب اللغة عبر الثقافات في مختبر العلوم المعرفية cognitive sciences وعلم اللغة النفسي Psycholinguistics في المدرسة العليا للاستاذة في باريس Ecole Normale Supérieure وهايدي كوليران Heidi Colleran، قائدة مجموعة أبحاث BirthRites في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية (MPI-EVA)، تعاونا لدراسة كيف يكتسب الأطفال، الذين ينشأون في مجتمع متعدد اللغات، اللغة.
اكتساب اللغة يعتبر كليات ثقافية (عادة بشرية(1)). ليس هناك ثقافة بشرية بدون لغة، وفي كل ثقافة، يكتسب الأطفال بشكل طبيعي اللغة أو اللغات التي يتكلم بها من هم حولهم. ومع ذلك، فإن الثقافات واللغات تتباين بشكل بالغ. كيف تتمكن أجهزتنا المعرفية [كالعقل والوعي والحواس وما إلى ذلك(2) ] من التكيف مع حالات تستخدم فيها لغات متعددة لا فقط لغة واحدة؟ حتى الآن، ظل هذا السؤال بدون إجابة، حيث إن عددًا قليلاً جدًا من الدراسات قد أُجري في مجموعات سكانية متعددة اللغات بالفعل و / أو خارج الشمال العالمي [المترجم: مفهوم يُقصد به الدول ذات الدحل المنخفض(3).
اقترحت الباحثة هايدي كوليران دراسة طريقة اكتساب أطفال مالاكولا، في أرخبيل ڤانواتو في جنوب غرب المحيط الهادئ، حيث تعدد اللغات يُعتبر هو القاعدة هناك. عملت هايدي مع عائلات في الجزيرة لجمع تسجيلات طبيعية “طويلة” لكلام أطفال كجزء من عملها الميداني طويل الأمد في الديموغرافيا والثقافة في هذه الجزيرة. عائلات من 11 قرية مختلفة وافقت على المشاركة في هذه الدراسة، وهذه العائلات مدركة وتفتخر بالعيش في جزيرة فيها أكبر كثافة للغات في العالم – حيث توجد حوالي 40 لغة في عدد سكان يبلغ حوالي 25 ألف نسمة.
“ما مجموعه 38 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 5 و 33 شهرًا، يمثلون 22 لغة، شاركوا في دراستنا” تقول أليخاندرينا كريستيا Alejandrina Cristia، قائدة مجموعة أبحاث اكتساب اللغة عبر الثقافات. “وفقًا لأولياء أمورهم، فإن هؤلاء الأطفال يسمعون 2.6 لغة في المتوسط بشكل منتظم ، وما يصل إلى ثماني لغات مختلفة”.
جهاز تسجيل سفري بحجم ذاكرة الـ USB الصغيرة
لجمع البيانات، استخدم الفريق جهاز تسجيل بحجم ذاكرة الـ USB الخارجية الصغيرة، كان يرتديه الأطفال في سترة مصممة خصيصًا طوال اليوم. هذه تقنية واعدة لأنها عملية جدًا: فهي تحمل تسجيلات لفترات طويلة الأمد تمثل بشكل جيد ممارسات الأطفال الكلامية اليومية دون تدخل من الباحث. حجم جهاز التسجيل الصغير يجعله أداة خاصة، يتقبلها الأطفال بسرعة كبيرة وكذلك من معهم في شبكاتهم الاجتماعية الذين سرعان ما ينسون وجود هذه الأداة لدي الأطفال.
نظرًا لأن طول فترة التسجيلات يجعل عملية افراغها إلى نصوص عملية معقدة، فقد طور الفريق نظام تحليل تلقائيًا، يستخدم الذكاء الاصطناعي، والذي يتعرف على أنواع مختلفة من الأصوات: صوت الطفل المستهدف، أي الطفل الذي يرتدي المسجل، وأصوات الأطفال الآخرين، كما يتعرف على أصوات الكبار من الذكور والإناث.
تقول هايدي كوليران، رئيسة مجموعة أبحاث BirthRites في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية . “كشف تحليل البيانات أن الأطفال يسمعون في المتوسط 11 دقيقة من الكلام في الساعة – حوالي خمس دقائق (31 في المائة) أقل مما سمعته مجموعات أحادية اللغة التي خضعت لدراسة سابقة،” “ومع ذلك، فقد أنتج الأطفال نفس الكمية من الكلام وأحيانًا أكثر في المجموعة السكانية متعددة اللغات كما هو حال المجموعات السكانية أحادية اللغة التي خضعت للدراسة.”
ومن المثير للاهتمام، أن أقوى علاقة تلازمية بين كمية الكلام المسموع وكمية الكلام المنتج كان مع كلام / حديث أطفال آخرين، لا مع حديث / كلام الكبار. يشير هذا إلى أهمية وجود أطفال آخرين في اكتساب اللغة، لا وجود أولياء الأمور فقط [مما يعني: اكتساب الطفل للغة يصبح أفضل في وجود أطفال حوله].
هذه النتائج تدعو إلى مزيد من الدراسات في المجموعات السكانية غير الممثلة تمثيلاً كافيًا في دراسات علوم التنمية(4)، وتؤكد على الحاجة إلى مراعاة تنوع اللغات والثقافات والتراكيب الديموغرافية عند دراسة اكتساب اللغة لدى البشر.
الدراسة منشورة في دوربة التنمية البشرية(5)،
مصادر من داخل وخارج النص
1- “الكليات الثقافية (cultural universal) (ويطلق عليها أيضًا الكليات الأنثروبولوجية أو الكليات الإنسانية) كما خضعت للمناقشة على يد إيميل دور كايم وجورج موردوك وكلود ليفي ستروس ودونالد براون وغيرهم. وهي عنصر أو نمط أو سمة أو نظام مشترك بين جميع ثقافات العالم. وبالجمع بين المفهومين، تعرف الكليات الثقافية بوجه عام باسم العادة البشرية. ويعتقد علماء النفس التطوري أن السلوكيات أو السمات التي تحدث في جميع الثقافات هي عوامل جيدة للتكيف التطوري. وقد ينكر علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع الذين يتبنون منظور النسبية الثقافية وجود الكليات الثقافية: أي المدى الذي تكون فيه هذه الكليات «ثقافية» في المعنى الضيق، أو في الحقيقة سلوكيات موروثة بيولوجيًا ليست سوى قضية «الطبع مقابل التطبع».” مقتبس من نص ورد الى هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/كليات_ثقافية
2- https://www.buddhistdoor.net/features/cognitive-apparatus-and-the-nature-of-the-mind-in-tibetan-buddhism/
3 “يستخدم مفهوم الشمال العالمي والجنوب العالمي (أو تقسيم الشمال والجنوب في سياق عالمي) لوصف مجموعة من البلدان على أساس الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. يستخدم مصطلح الجنوب العالمي غالبًا لتحديد البلدان ذات الدخل المنخفض على جانب ما يسمى خط التقسيم، وتدعى البلدان في الجانب الآخر بلدان الشمال العالمي (تكون غالبًا مكافئة للبلدان المتقدمة). على هذا الأساس، لا يشير المصطلح بطبيعته إلى جنوب جغرافي؛ إذ يقع معظم الجنوب العالمي جغرافيًا في نصف الكرة الشمالي. ”
https://ar.wikipedia.org/wiki/حد_شمال-جنوب
4- “علم التنمية هو مجال علمي متعدد التخصصات يجمع وجهات نظر من علم الأحياء وعلم النفس وعلم الاجتماع من أجل فهم الجوانب السلوكية والنفسية للتنمية البشرية” ترجمناه من نص ورد على عذا العنوان:
https://en.wikipedia.org/wiki/Developmental_science
5- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/desc.13375
المصدر الرئيس:
https://www.mpg.de/19998438/0313-evan-language-acquisition-in-multilingual-children-150495-x