مهام المنزل اليومية: مصدر تعاون أم مصدر تصادم؟
أمير الصالح
سؤال يطرح نفسه: لماذا تعداد الخادمات المنزليات وشركات الاستقدام في تزايد مستمر وتصاعد ملفت حتى مع زيادة شكوى البعض من انكماش مداخيلهم المالية وغلاء المعيشة ؟! هل أجهزة المطبخ الحديثة والمكانس الكهربائية الحديثة ومكابس الكي الكهربائية ومغاسل الأطباق الأتوماتيكية ومغاسل الملابس المبرمجة وقدور الضغط الكهربائية والأفران الحديثة والأطعمة المجمدة والأطعمة المسبوقة التحضير و … و… كلها غير كافية لتسهيل أداء المهمات المنزلية من قبل أفراد الأسرة ذاتها أم أن الكسل ضرب أطناب أفراد البيت والمجتمع ، فردًا- فردًا، بيتًا -بيتًا ، زنقة – زنقة ، دارًا- دارًا، إلى الحد الميؤوس منه، فأضحى وجود الخادمة الآسيوية أو الأفريقية ضرورة حياتية لا غنى عنها حتى في عائلة مكونة من زوج شاب وزوجة شابة وطفل واحد أو أسرة لا يوجد فيها أي طفل أو رجل هرم وكلهم أصحاء!!
لماذا نشهد تقاتل وتهافت لعدد ليس بالقليل من أبناء المجتمع المحلي على مكاتب الاستقدام أو مكاتب استئجار العاملات المنزلية بنظام الأجر الشهري قبل شهر رمضان المبارك. حتى أن الأجور الشهرية تصل حد المزايدات السعرية كالأسهم في شاشات البورصة في ضرورة المضاربات، بأسعار تصل إلى درجة قضم شبه كامل لنصف أو أكثر من راتب المُعيل أو الأب المتقاعد!!
لماذا البعض من أدعياء الوعي والثقافة من النساء يتنطعن ويتشدقن بأن أعمال البيت ليست من صميم مهامهن ويمنون على أزواجهن بأعمال البيت ورضاعة أطفالهن !!
أين توارى الناس من تفعيل العمل بالروايات الشريفة المروية عن النبي محمد (ص) وآل بيته في تكامل الأدوار بين الزوج والزوجة والأبناء، منها على سبيل المثال:
١-(وأيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق الله عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت)
٢-(ما من امرأة تسقى زوجها شربة من ماء إلا كان خيرًا لها من عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها ويبنى الله لها بكل شربة تسقى زوجها مدينة في الجنة وغفر لها ستين خطيئة)
٣- ( جلوس المرء عند عياله أحب الى الله من اعتكاف في مسجدي هذا)
٤- ( من حسن بره بأهله زاد الله في عمره)
جزء من المشكلة أن البعض احتفى فى القدوة الصحيحة من حياته / حياتهن بمن تصدر المشهد الإعلامي الشعبي والديني والثقافي والتربوي بقليلي العلم وضيقي التظرة للمستقبل؛ وعلى مدى حين من الدهر طرح البعض من الناس بعض الأحكام الفقهية في الإعلام وعلى المنابر وفي المحافل بطريقة غير ذكية، فكانت آثارها سلبية على علاقة الزوج-زوجته والأب – أبنائه. وصدق القول في بعض أولئك: إياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك.
مثلا القول بأسلوب تحريضي أو عدم مكترث للنتائج بأن:
١ – الأب (غير مكلف ) بتعليم ابنه إلا أسس القراءة والكتابة
٢- (لا يجب) على الزوجة أن تخدم زوجها في شؤون المطبخ والغسيل وحتى رضاعة ابنه ولو شاءت أخذت أجرًا على ذلك.
والواقع أن عبارة (غير مُكلف ) و(لا يجب) تدلان في مفهوم وتصور البعض من الناس أن المكلف لا يكتسب إثمًا إذا لم يفعل ذلك الأمر فيهمله ويصد عنه ويشطبه من قائمة أعماله.
ومع شديد الأسف تضخمت هذه الأنانية والنظرة الضيقة لدى البعض حتى أن عدد ليس بالقليل من النساء المتثاقفات أعتقدن أن الإسلام يشجع على عدم المبادرة في خدمة الزوج واعتقد بعض الرجال أن الزوجة ملزمة بحقوق الفراش فقط !!! فدخل الشيطان وأذنابه لاستغلال هكذا أفهام مختله وجعلها فجوات وتحريض وتمزيق وهدم بيوت وعلاقات أسرية كثيرة.
فالمفترض أن الرجل كزوج ينطلق من أصله وجوده وأخلاقه وإحسانه في حسن التعاون مع زوجته في الحفاظ على المنزل وأداء الفروض المنزلية حتى الانغماس في أعمال الغسيل للملابس وكي الملابس وغسيل الصحون وكنس المنزل. والمرأة في المقابل لا تركز داخل منزلها من منظور ” ما يجب” و “ما لا يجب” بنظرة ضيقة وإنما تنطلق لصهر أفراد المجتمع في قوالب الحب والمودة والتفاني من خلال المبادرات ومن ضمن تلكم القنوات العمل الجماعي لأداء مهام المنزل والاستغناء عن وجود العاملة الأجنبية.
وإذا كان كلا الزوجين يريدان بناء أسرة قوية مبنية على جسور المحبة والمودة بينهما يكون كل منهما سكن يأوي إليه الآخر ليجد فيه الراحة والطمأنينة والأمان والعزة والتعاضد. على الزوجة الناضجة أن تحتفظ بروح المبادرة داخل البيت وتهتم بشؤون زوجها وأبنائها وتحبب أبناءها وزوجها في مساعدتها على شؤون المنزل وتجنب تشخيص الزوج على أنه بنك متحرك للنفقة والتمويل. وفي المقابل على الزوج أن يقدر ويثمن خدمة زوجته له ولأفراد أسرته ولا يعاملها كجارية يملكها أو محل إفراغ شحنات غضب، أو إبراز عضلات وكيل لكمات أو متع جسدية.
أبناء وطني الحبيب: لقد تصدعت قلوبنا من كثرة مقاطع الفيديو المؤلمة والمزعجة التي توثق اعتداء خادمات على أطفال رضع وأطفال صغار بأقسى أنواع الضرب والتعنيف والخنق والتقريع. فإن كان بالإمكان الاستغناء عن الخادمة فبادروا بذلك. وإن كان لا بد من وجودها مؤقتًا فراقبوا ولا تتكلوا على الخادمات. وكونوا أذكى وأدهى منهن بالمراقبة اللصيقة والمعاملة الإنسانية الجيدة، وكسب المشاعر الإنسانية وتفادي الوجه السيئ في بواطن أنفسهن. كفانا سماع أو مشاهدة مقاطع وفواجع في حق أبناء أبرياء ضحايا لخادمات. وأتمنى أن يتدارس كل زوج وزوجته مهام المنزل اليومية وجعلها مصدر تعاون وليست مصدر تصادم، والاستغناء عن العاملة/ الخادمة إن أمكن ذلك.