خمول ذكر أهل البيت (ع) ودور الطليعة في إحيائه
تقرير المحاضرة: عبد المنعم الحليمي
الشيخ عبد الجليل البن سعد ٤ محرم ١٤٤٥ هجري
قال الإمام أمير المؤمنين.ع.[فَكُنَّا نَحْنُ مِمَّنْ خَمَلَ ذِكْرُهُ ، وَ خَبَتْ نارُهُ ، وَ انْقَطَعَ صَوْتُهُ وَصِيْتُهُ ، حَتّى اَكَلَ الدَّهْرُ عَلَيْنا وَ شَرِبَ]..
_ النقطة المركزية في البحث حول خمول ذكر أهل البيت.ع. وتراجعه بشكل لافت وجلي، ودور الطليعة في احيائه… وتدور حول هذه النقطة محاور أربعة هي كالتالي:
المحور الأول: التحدي الايديولوجي الذي واجهه أهل البيت.ع.
_ بداية قد مر فيما سبق من بحث حول النسيان كمنهج ومدرسة كتب بها التاريخ وأخضع لها، وهنا نكشف عن أن من النسيان ماهو إرادة وصناعة يصوغها الإنسان وحالة مفروضة على الأمة من جهات تدير الواقع بأيديولجية خشنة..
والإيديولوجية الخشنة: هي التعصب والعصبية، والتعصب والايديولوجية في المصطلح المعاصر مترادفان سلوكيا، حيث يلاحظ أن لدى العقلية المؤدلجة ذات التصرفات التي تترشح من المتعصب، فكلاهما يحتقر الآخر بحيث انهم مستعدون من الناحية النفسية للقيام بأي عمل لا مشروع ولا انساني بمن يحتقرونه..
ولتتجلى الصورة بشكل يقارب الحس و أن صفة الإحتقار صفة نفسية صميمية لدى كل من المؤدلجين والمتعصبين ولاتختلف بإختلاف العصور، نعرض لنموذج لا ديني لكي يتضح من خلاله سطحية البعض ممن يلبس العمامة ويتفوه من على القنوات بأن العصبية أو الأدلجة هي البنت الشرعية للأديان..
الشيوعية:
وهي من الحركات التي يضرب بها المثل لكل شر، حيث أن احد الكتّاب العالميين المشهورين والذي توفي من قريب وهو الروائي الشهير ميلان كوانديرا، في جزء من روايته( الضحك والنسيان) تحدث عن الشيوعية وممارستهم التي يجمد أمامها ضمير الانسان، مثال لذلك:
أن الشيوعية لو تخلت عن أحد أعضائها واستغنت عنه، لا تبقي أي مرفق من مرافق حياته الا وتمحي ذكره بالكامل حتى لو كان قد خلف ورقة فانها تحرق.
وهذا المثال تم ذكره لسببين:
١_أخلاقي: الحذر من العصبية، فلا تكن متعصبا ولا تنتمي الى بيئة متعصبة، لأن العصبية أيسر شرها احتقار الآخر.
٢_ تاريخي: وهو أن هذه الصورة للشيوعية في ابادة وافناء الفرد وكل ما يمت له بصلة، كان لها تمثل تاريخي بصورة مبكرة في العهد الأموي تجاه أمير المؤمنين.ع. حيث أن اي شخص يذكر الإمام علي.ع. فلتهدم عليه داره وتشرد أهله ويقتل..
المحور الثاني: الإمام علي.ع. بين الذاكرة والنسيان.
_ قد جرى على الإمام علي.ع. المنع من الحضور الكثيف وحكم عليه بالتهميش في واقع الأمة بحيث انه كان سلام الله عليه يروي جراحه بقوله( فَكُنَّا نَحْنُ مِمَّنْ خَمَلَ ذِكْرُهُ ، وَ خَبَتْ نارُهُ ، وَ انْقَطَعَ صَوْتُهُ وَصِيْتُه)،
والسبب هو:
{ أن الإمام علي.ع. لو تصدر للفت اليه الناظرين ولخطف الأضواء وتوجهت اليه العقول والقلوب… إنها ( الجاذبية العلوية).}.
فلذا حكم عليه بأن يبقى خارج دائرة الجهاد.
خارج دائرة القضاء.
خارج دائرة إمامة الجماعة.
.، ولذا عندما فسح له المجال لظرف ما ليؤم الجماعة وفيهم صحابة قال أبوموسى الأشعري :
( لقد ذَكَّرَنا علِيُّ بنُ أبي طالبٍ صَلاةً كنَّا نُصلِّيها مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ إمَّا نَسيناها، وإمَّا تَرَكْناها عَمدًا، يُكبِّرُ كلَّما رَكَعَ، وكلَّما رَفَعَ، وكلَّما سَجَدَ.).[ المسند ” لأحمد (4 / 392) هذا حديث صحيح متفق عليه وفي الباب عن عمران بن حصين فقد رواه قريب منه البخاري ومسلم في صحيحهما.]
وهذا القول من أبي موسى الأشعري بأننا (وإما تركناها عمدا)، دلالة على أن هناك حركة اجتهاد في قبال النص الشرعي طالت حتى العبادات..
وليقرأ كتاب ( وضوء النبي.ص.).للسيد علي الشهرستاني، وهو كتاب تحقيقي بديع جميل منصف وغير متشنج.
المحور الثالث: حرب الإحياء لذكر الأئمة.ع.ودور الطليعة.
_ قال الإمام علي.ع.( وَبَلَغَ مِنْ سُرُورِ النَّاسِ بِبَيْعَتِهِمْ إِيَّايَ أَنِ ابْتَهَجَ بِهَا الصَّغِيرُ وَهَدَجَ إِلَيْهَا الْكَبِيرُ وَتَحَامَلَ نَحْوَهَا الْعَلِيلُ وَحَسَرَتْ إِلَيْهَا الْكِعَابُ .)، هذا النص من الأمير ع. يكشف عن تحول كبير في موقعية الإمام عليه السلام لدى الأمة فبعد أن قرر لنا سلام الله عليه في مفتتح البحث أنه ممن خمل ذكره وخبت ناره، أصبح ممن بلغ السرور ببيعته أن ابتهج بها الصغير وهدج اليها الكبير.. الخ
والسؤال المفصلي هنا هو:
[ كيف تحقق وحصل هذا التحول اللافت من نسيان للإمام علي.ع. إلى أن يصبح الصغير مبتهج ببيعته، ومن هي الجهة التي كان لها الدور في هذا التحول..؟؟]..
الجواب هو: أن الإمام علي.ع. على مدى العقود التي همش وغيب وخمل ذكره وأبعد عن الموقعية في الأمة الإسلامية، عمل على صناعة وبناء طليعة مؤمنة وتأسيس مدرسة ورسم خططا أنتجت في مسار الأمة مثل تلك التحولات.. لذلك الجهاز الإداري في حكومة الإمام علي ع. اشتمل على عناصر لم يستوعبها حتى مثل المستشرقين.
_ ومن هنا عندما يلاحظ جيش الإمام علي.ع. نجد أن قياداته الطليعية يخضعون لشرط أساسي ويتوجب أن يتوفر فيهم وهو : (الخطابة)..
ولذلك صدم الإمام علي.ع. التاريخ بمجموعة من الخطباء لم يعلم ولم يحم حولهم السؤال حتى الساعة كم عددهم ولا متى تشكلت عندهم هذه الملكة .؟!
_ وأول حركة عملها الإمام مع الناكثين والمارقين والقاسطين هي توجيه الخطباء.. !!
ولكن من هم هؤلاء الخطباء..؟! تعجب من أسمائهم قبل قابلياتهم.. فحياة الإمام علي.ع. كانت كلها مفاجئات..
فمثل: هاشم المرقال الذي ذاب حبا في الإمام علي.ع. ويملك من الكفاءة الخطابية ما يجعله في مواجهة مع خصوم الإمام علي.ع. كان يعتبر شخصية محرجة للأمويين لأنه على صلة قرابة بهم.. فهو ابن اخ سعد بن ابي وقاص.. فمتى تربت هذه الشخصية عند الإمام علي.ع.؟!
_ لذا كانت أحد أهم وسائل الإنتقام الأموي من الطليعيين من أصحاب الإمام علي ع. هي قطع ألسنتهم بسبب سيف وسلاح الخطابة عندهم حتى وهم على مشارف الموت. الامر الذي جرى لميثم التمار ولراشد الهجري مثلا.
_ الخطابة مدرسة الدين الأولى ومادته المهمة، فالطليعيين من أصحاب الإمام علي.ع. خطباء فقهاء وفقهاء خطباء لا تنقصهم حجة..
_ من هنا فان الذين يكسرون رسالة الإمام الحسين.ع. يقول لانريد خطابا على المنبر، وانما نريد فقط بكاء ، وكأنما لم يقال الحسين.ع. عبرة وعبرة ، ودمعة وكلمة بدون افراط ولاتفريط..
المحور الرابع: حال الطليعة المؤمنة بين الأمس واليوم.
_ عند الحديث عن الأدوار بين طليعي الأمس واليوم ، يلاحظ أن الطليعي يتعلم من إمامه :
أنه قبل البحث عن حلول للمشاكل لابد من فهمها ومعرفة حدودها وخصائصها..
فلذا الطليعي آنذاك وعى المشكلة الحاصلة مع وعلى إمامه.ع.
أ_قبل تولي الإمام علي ع كانت المشكلة هي (التهميش) فلذا انتخب لها استراتيجية معالجة تتناسب معها وهي (التعظيم)..
وليس كما هو عليه البعض: من استخدام للقوة في كل شيء بما يؤدي الى اضرار ومفاسد..
فهذا ما نفهمه من قيام ابن عباس بقيادة ناقة الحسن والحسين ع
_ أو عندما نلاحظ بعض الكتاب يؤلف كتابا بعنوان (مصلحون) والبعض ممن ذكرهم مجددون ومصلحون وأهل لذلك، ولكنه بعد تعداد جملة من أولئك الأكفاء يأتي بأسماء لا تمت للإصلاح والتجديد بصلة ولا نسب. في عملية خلط بين الثرى والثريا، والحقيقي والزائف..
فان الكتابة حول المصلحين وان كانت تعظيما لهم الا ان الخلط بينهم وبين من لايقارن بهم لا روحيا و تاثيرا يجعل من التعظيم عبثيا لانه سلوك عام مع من يستحق ومن لا يستحق، واذا فسد التعظيم فسدت ثماره!!
ب_ بعد تولي الإمام علي.ع. كانت المشكلة هي(العصبية)، ولذا كشف الإمام الصادق.ع. عن بعض أوجه المشكلة بأن العصبية الدينية كانت من رسم بني أمية.. وقد عمل الإمام الصادق.ع. على التربية للطلائع ولكنه عليه السلام كان يواجه من بعض من ينتسب اليه مالا ينبغي فيمن هو في هذه المدرسة الطلائعية الرائدة، ولذا كان سلام الله عليه يسعى لتصحيح ماعليه بعضهم من نزق وتهور أو إندفاعه لا تثمر ولا تنتج ما يحقق مكتسبات للإسلام والتشيع بل تضر وتفسد..
كما حدث ان اختبر احد اصحابه ماذا سيفعل ان وجد رجلا بالمسجد يسب عليا فقال الرجل اعلو راسه فرد عليه الامام لو كنت مكانك لعاملته بلطف/ بما معنى الرواية.