السيرتونين والثقة من صميم الصبر
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
بقلم أندرو سكوت
فقط اصبر قليلا. فالصبر عبارة عن ممارسة معروفة وشائعة: التشبث على أمل أن يؤتي الصبر ثماره في النهاية. من انتظار الطعام على مقعد أحد المطاعم إلى الانتظار في طابور في أحد المنتزهات الترفيهية، بإمكاننا جميعًا أن نؤجل رغباتنا الملحة عندما نعلم أن هناك شيئًا جيدًا قادم. معظم الأحيان. ولكن هذه ليست سمة بشرية فقط – فقد أثبتت دراسة أن الفئران يمكن أن تكون صبورة أيضًا، وكشفت عن وجود علاقة بين كيمياء الدماغ واعتقاد الفئران في كيف سيؤتي الإنتظارُ ثمارَه.
يُعتبر تأثير المعدِّل العصبي(1) neuromodulator السيروتونيني على قدرة الفئران على التحلي بالصبر عند انتظار المكافأة هو من صميم الدراسة(2) التي نُشرت في مجلة Nature Communications. قام المؤلفان، الدكتور كاتسوهيكو ميازاكي Katsuhiko Miyazaki والدكتور كايوكو ميازاكي Kayoko Miyazaki، بتحليل كيف تتصرف الفئران تحت تأثير السيروتونين، كجانب من دراسة أجريت في وحدة الحوسبة العصبية في معهد أوكيناوا للعلوم والتكنولوجيا.
السيروتينين هو ناقل رسائل ( ساعٍ) كيميائي يؤثر في وظائف الخلايا العصبية. وقد رُبط بمجموعة كبيرة من السلوكيات ، من المزاج والنوم إلى الرغبة الشديدة ( الشهوة) والعفوية. قوة تأثير المادة الكيميائية في السلوك البشري جعلته محورًا مهمًا في علاج الحالات العقلية، كالاكتئاب بمثبطات مستقبلات السيروتونين الانتقائية (SSRIs)(3)، والتي تبطيء من عملية إعادة امتصاص السيروتونين والحفاظ على نشاطه في الدماغ.
وقال كاتسوهيكو ميازاكي: ” الكثير من الدراسات الصيدلانية قد أُجريت على السيروتونين، عادة ما توصف أدوية السيروتونين” من قبل الأطباء للمرضى ، لكن “الدور الذي يتركه السيروتونين على السلوك غير واضح”. الفريق البحثي حقق. في العلاقة السببية بين مستويات السيروتونين وبين السلوك في الفئران.
دُربت فئران على أداء إحدى المهمات للحصول على مكافأة غذائية: تضع أنوفها في نقرة صغيرة وتنتظر – أُطلق عليها اسم “وكزة الأنف”. بعد فترة محددة مسبقاً، سُلمت المكافأة الغذائية الى الفأر. وفي دراسة سابقة(4) ، استخدم الفريق طريقة تسمى تقنية البصريات الجينية (الأوبتوجينيتيك optogenetics (5)، وهي طريقة تسمح للباحثين باستخدام الضوء لإثارة خلايا عصبية (عصبونات) معينة بتوقيت دقيق. هذه الخلايا العصبية معدلة وراثياً لإنتاج بروتين حساس للضوء يتم تحفيزه بتسليط الضوء على طول ألياف بصرية مزروعة في الدماغ. في الدراسة، تم إثارة الخلايا العصبية المنتجة للسيروتونين (عصبونات السيروتونين) بالتحكم فيها بصرياً (ضوئيًا) optogenetically في جزء من الدماغ يسمى نواة رفاء raphe الظهرانية (DRN)، والتي بشكل عام تنتهي في الدماغ الأمامي (المخ الأمامي). كانت النتيجة أن زيادة نشاط عصبونات السيروتونين في الـ DRN يزيد بشكل كبير من فترة الانتظار الزمنية التي تكون الفئران مستعدة للصبر قبل حصولها على المكافأة الغذائية.
على الرغم من أن الدراسة بينت أن السيروتونين زاد من الصبر، اختبرت هذه الدراسة الأخيرة ما إذا كانت الفئران تستجيب بشكل مشابه في ظروف لا يكون الحصول على المكافأة مؤكدًا. هل ستنتظر الفئران الطعام بغض النظر عن احتمالية حدوثه ومتى يحدث إن حدث، أم أنها ستيأس إذا تنبأت بأن فرصة حصولها على عائد مندنٍ لاستثمارها في الانتظار؟
بينت نتائج التجارب أن هناك حدوداً لقدرة السيروتونين على تعزيز الصبر. أعطيت الفئران فرصة تجربة استخدامها لوكزة الأنف لحصولها على المكافأة بلغت 75 ٪ وفترة انتظار قبل تسليمها المكافأة بلغت 3 ثوانٍ . عندما خضعت هذه الفئران لتجربة لا توجد فيها مكافأة طعام في نهايتها، طال وقت انتظارها (يعني صبرت لمدة أطول)، كما هو متوقع من النتائج المنشورة في الورقة السابقة(4). ومع ذلك، في التجارب التي بلغت فيها احتمال فرصة الحصول على مكافأة بعد وكزة الأنف 50% أو 25% ، فإن زيادة السيروتونين لم يكن له أي تأثير في فترة انتظار (مدة صبر) الفئران. وقال الدكتور ميازاكي “إن لا تأثير للصبر إلا عندما يعتقد الفأر أن هناك احتمالًا كبيرًا للحصول على مكافأة الطعام”.
للمساعدة في شرح نتائج تجربتهم، طرح الفريق نموذجًا كمبيوترياً لشرح بيانات التجربة بشكل متناسق. في النموذج ، كانت الفئران قادرة على توقع متى سيتم تسليمها المكافأة الغذائية، والتكهن بها حين تخضع لمحاولات لا تقدم فيها المكافأة الغذائية. يمكن للنموذج محاكاة النتائج التجريبية بافتراض أن السيروتونين يؤثر في ثقة الفئران في الحصول على المكافأة عندما تكون ثقتها غير الموضوعية (الشخصية) عالية. في تجربة بلغ أحتمال حصولها على المكافأة 75%، على سبيل المثال ، جعل السيروتونين الفئران تتصرف كما لو كانت فرصة الحصول على المكافأة تبلغ 95%.
النموذج أيضا كرر نفس نتيجة عدم اليقين في التوقيت. عندما كانت الفئران غير متأكدة من وقت تسليمها المكافأة ، أصبح من الصعب عليها التكهن بما إذا كانت تنتظر في محاولة تستلم فيها مكافأة أو في محاولة لا تنطوي على مكافأة. تحفيز السيروتونين زاد من اعتقاد الفئران بأنها كانت في تجربة تنطوي على مكافأة ، مما أدى إلى تأخير تخمينها أكثر لأن وقت حصولها على المكافأة كان أقل بروزًا.
تظهر النتائج أن العلاقة بين تنشيط السيروتونين والسلوك الذي يعقبه معتمدة بشكل كبير على اعتقاد الفئران بالظروف. قد تكون لهذه النتائج تداعيات على فهمنا لكيف يتأثر البشر الذين يتعاطون أدوية ترفع من مستوى السيروتونين أيضًا. وقال الدكتور ميازاكي: “يمكن أن يساعد هذا في تفسير سبب كون علاج الاكتئاب المضاف الى مثبطات مستقبلات السيروتونين الانتقائية SSRIs والعلاج المعرفي السلوكي(6) (CBT) هو أكثر فعالية من مجرد استخدام مثبطات مستقبلات السيروتونين الانتقائية SSRIs فقط”. القدرة النفسية على العلاج تُعزز بزيادة مستويات السيروتونين”.
مصادر من داخل وخارج النص
1- “التعديل العصبي neuromodulation هو عملية فسيلوجية يقوم فيها عصبون ما باستخدام واحدة أو أكثر من المواد الكيميائية في الوسط المحيط من أجل ضبط عمل مجموعة متعددة من العصبونات الأخرى. تسمى المواد الكيميائية المستخدمة في هذه العملية المُعَدِّلات العصبية neuromodulator. تقوم المعدِّلات العصبية نمطياً بالارتباط بمستقبلات مقترنة بالبروتين G (ميتابوتروبية) من أجل الحث على تأشير سلسلة رسائل متتالية من الإشارات، والتي تعطي بمجموعها إشارة مستديمة، قد يمتد طولها من مئات الميلي ثانية إلى عدة دقائق. تتضمن الآثار الناتجة عن التعديل العصبي كل من الظواهر التالية على سبيل المثال: ضبط التيارات الكهربائية العصبية المعتمدة على الجهد الكهربائي؛ وتغيير نجاعة التشابك العصبي وزيادة نشاط الاندفاع؛ وإعادة تشكيل الاتصالية المشبكية.
https://ar.wikipedia.org/wiki/تعديل_عصبي
2- https://www.nature.com/articles/s41467-018-04496-y
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/مثبطات_استرداد_السيروتونين_الانتقائية
4- https://www.oist.jp/news-center/press-releases/fed-waiting-timely-activation-serotonin-enhances-patience
5 ” تقنية البصريات الوراثية optogenetics) إحدى تقنيات علم الأعصاب التي تسمح بالتحكم بخلايا الدماغ الحية باستخدام الألياف الضوئية ، حيث تعتبر طريقة لتعديل العمليات العصبية باستخدام مزيجا من التقنيات البصرية والوراثية ويتم ذلك من خلال مراقبة ورصد أنشطة كل خلية من الخلايا العصبية داخل الأنسجة الحبة، ومن ثم تعديلها بالشكل المناسب للحد من المرض” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان:
https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_البصريات_الوراثي
6- “العلاج المعرفي السلوكي (cognitive behavioral therapy) اختصارا (CBT) هو تدخل نفسي اجتماعي يهدف إلى تحسين الصحة العقلية ويركز على الطعن في التشوهات المعرفية غير المفيدة (مثل الأفكار والمعتقدات والتوجهات) والسلوكيات وتغييرها، وتحسين التنظيم العاطفي وتطوير استراتيجيات المواجهة الشخصية التي تستهدف حل المشكلات الحالية. في الأصل، صُمم لعلاج الاكتئاب، ولكن تم توسيع استخداماته لتشمل علاج عدد من حالات الصحة العقلية، بما في ذلك القلق. يشمل العلاج المعرفي السلوكي عددًا من العلاجات النفسية المعرفية أو السلوكية التي تعالج أمراض نفسية محددة باستخدام تقنيات واستراتيجيات قائمة على الأدلة.” مقتبس من نص ورد على هذا العنوان: .
https://ar.wikipedia.org/wiki/
المصدر الرئيس :
https://www.oist.jp/news-center/press-releases/wait-it-serotonin-and-confidence-root-patience-new-study