اليوم الوطني .. محطة تأمل
محمد محفوظ
ثمة علاقة وجدانية عميقة , تربط الانسان بوطنه وأرضه و مسقط رأسه , بحث أن هذه العلاقة مركوزة في وجدان أي إنسان ..
فالتكوين الفطري يدفع الانسان , إلى التعلق بأرضه و وطنه و مسقط رأسه , و يدافع عن هذا التعلق بكل ما يملك من إمكانات و قدرات .. صحيح إن هذا التعلق القلبي و الوجداني , في مراحل الانسان العمرية الأولى , قد لا يتعدى لديه هذا التعلق منزله أو حارته , ولكن يبقى هذا التعلق عميقا وتتضح لدى الانسان حقيقة التعلق بوطنه وأرضه , بما يتجاوز مختصاته الشخصية , مع زيادة معارفه , و انخراطه في التعليم واتساع مداركه العقلية و العلمية . لذلك فنحن لا نحتاج إلى مؤونة زائدة لإقناع الانسان أي إنسان بحب وطنه و التعلق بأرضه ,لآن هذا الحب و التعلق مركوزان في نفس و قلب الانسان منذ بواكير وعيه العام ..
و المناسبات الوطنية التي تذكر الناس بأمجاد ماضيهم و منجزات أجدادهم و الظروف التي واكبت تأسيس دولهم الحديثة , تستهدف بالدرجة الأولى تطوير علاقة المواطن بالوطن عبر إدخال مفاهيم جديدة , تحول علاقة الانسان بوطنه , من علاقة وجدانية _ عاطفية مجردة , إلى علاقة مسؤولة, تحول الانسان إلى طاقة خلاقة و ايجابية للدفاع عن وطنه و حقوقه و منجزاته التاريخية و الراهنة ..
فهي مناسبات وطنية , تريد أن تقول للمواطنين جميعا بمختلف أعمارهم و تعدد مواقعهم , إن الأوطان و عزتها , لا تبنى بالرغبات المجردة و العلاقة العاطفية المجردة عن العمل و تحمل المسؤولية ,وإنما الأوطان تبنى بالكفاح و العمل و الصبر على المكاره و مقاومة كل المثبطات و العمل المستديم لبناء لبنات الوطن الشامخ في مختلف مجالات الحياة .. فالأوطان لا تبنى بالشعارات الجوفاء العالية , بل ببناء حقائق التقدم في أرجاء الحياة . فالأوطان تبنى بسواعد الجميع و جهودهم المتواصلة , كل في موقعه و خندقه الوطني . فإذا كنت معلما فالوطن يبنى بتطوير العملية التربوية و التعليمية و رعاية أبناء الوطن في مستوياتهم التعليمية المختلفة , و إزالة كل العقبات التي تحول دون استمرار التعليم الجاد ..
و إذا كنت مسئولا في أي موقع , فان العلاقة الوجدانية بالوطن , ينبغي أن تترجم إلى بذل كل الجهود في سبيل تعزيز قوة الوطن و المواطن , و السعي الدائم لتلبية كل حاجات المواطنين . بحيث أكون أول القادمين إلى وظيفتي و دائرة عملي لخدمة الوطن و المواطن , و آخر الخارجين من دائرة العمل , بحيث تكون كل ساعات عملي ساعات للعمل و الإنتاج لصالح الوطن و المواطنين .
وإذا كنت تاجرا , فإن مقتضى العلاقة الوجدانية مع الوطن , أن أقدم الوظائف و المسؤوليات إلى أبناء وطني , و أن أتحمل في سبيل ذلك كل الصعوبات و العراقيل . فأبناء و شباب الوطن أولى من غيرهم في الحصول على فرص وظيفية في مختلف مجالات الحياة .
و هكذا تصبح العلاقة مع الوطن و المواطنين , خارج دائرة المزايدة و المكايدة .
فالعمل وحده هو المعيار الحقيقي , الذي يحدد طبيعة العلاقة التي تربط الإنسان مع وطنه أبناء وطنه .. ودون ذلك تبقى مقولات جوفاء و مجردة , ولا تغير أي شي في معادلة عزة الوطن و منعته .. و في ذكرى اليوم الوطني حري بنا جميعا الالتفات إلى النقاط التالية :
1- إن جميع المواطنين بصرف النظر عن منابتهم و أصولهم و مواقعهم العلمية و الإدارية , يتحملون مسؤولية في رعاية أبناء الوطن و تطوير أدوارهم و مسؤولياتهم , بما يخدم الوطن و يعزز من فرص تقدمه و تطويره . فقوة الأوطان مرهونة بقوة المواطنين , ولا قوة للمواطنين إلا برعاية طموحاتهم و تلبية حاجاتهم و فتح المجال لهم لخدمة وطنهم من موقع علمهم و تخصصهم .. و نحن هنا ندعو الجميع إلى ضرورة العمل لفتح السوق الوطنية للكفاءات الوطنية , التي تبحث عن فرصة عمل يخدم من خلالها نفسه و عائلته و وطنه .
و سيبقى معيار خدمة المواطن , هو معيار حب الوطن و التغني بأمجاده و منجزاته ..
2- إن قوة الأوطان وعزتها اليوم ، من منظور علم الاجتماع السياسي ، تعني العمل على تطوير مستوى انسجام وتفاهم تعبيرات المجتمع والوطن الواحد .. فليس عيبا أن تتنوع قناعاتنا وأفكارنا ، ولكن العيب الحقيقي هو حينما نفشل في بناء نظام لتفاهمنا ووحدتنا الوطنية .. لذلك فإن من أولوياتنا الوطنية اليوم ، هو العمل على تطوير نظام التفاهم والانسجام بين تعبيرات وأطياف وطننا .. ويتحمل مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني مسؤولية أساسية في هذا السبيل .. وندعوه إلى المزيد من إطلاق المبادرات وتفعيل الخطوات التي تستهدف تطوير التفاهم بين أطياف المجتمع السعودي .. وذكرى اليوم الوطني مناسبة أساسية لتظهير كل القيم والمبادئ التي تزيد من فرص إدارة التنوع والتعدد على قاعدة المواطنة الجامعة .. وحري بنا أن نتحرك جميعا في هذا الاتجاه ، بحيث نعزز وحدتنا على قاعدة احترام تعدديتنا الأفقية والعمودية ..
3- ثمة سؤال مركزي أساسي ينبغي أن نثيره للنقاش والحوار بين تعبيرات المجتمع السعودي وفي كل الأروقة الثقافية والإبداعية بمناسبة اليوم الوطني ، ألا وهو ( أي ثقافة تريد لمجتمعنا ووطننا ) .. لأن التسالم والاتفاق على الخطوط الكبرى للثقافة الذي نريدها وننشدها على الصعيد الوطني ، هي أحد المداخل الأساسية التي تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتحصين وتصليب الجبهة الداخلية لمجتمعنا ووطننا .. إننا نتطلع إلى الثقافة التي تعلي من شأن الإنسان وجودا ورأيا وحقوقا ، وتعتبر أن الأديان جاءت من أجل خدمة الإنسان وسعادته في الدارين .. إننا نتطلع إلى تلك الثقافة القادرة على استنباط كنوز الإسلام وتحويلها إلى حقائق ثقافية واجتماعية .. إننا نتطلع إلى تلك الثقافة التي تنبذ العنف المادي والمعنوي ، وتعلي من شأن التسامح والحوار والسلم الأهلي ..
إننا نريد ثقافة وطنية تحترم التعدد وتصون حقوق الإنسان وتحفظ كرامته وحريته ..
إننا نريد ثقافة وطنية تعلي من شأن المواطن السعودي ، وتعتبره هو حجر الأساس في كل مشروعات البناء والتنمية ..
فتعالوا جميعا أيها الأحبة في ذكرى اليوم الوطني ، نثير النقاش الجدي والحيوي ، ونطلق الحوار العميق بيننا ، الذي يستهدف توفير إجابات أو مشروع إجابات على السؤال المركزي والذي نحسبه من أهم الأسئلة الوطنية التي ينبغي أن نتحاور ونتفاكر حولها وهو سؤال ( أي ثقافة نريد ) على المستويين الاجتماعي والوطني ..