كيف نتصدى لعملية التلاعب بالعقول الموجهة ضدنا
غسان بوخمسين
يمارس الكثير من الأشخاص والجهات المتنفذة ألاعيب وحيل نفسية خبيثة للسيطرة على الجماهير من خلال تزييف الحقائق، وسلبهم القدرة على الإدراك السوي والواضح للواقع، وزرع الشكوك في نفوسهم.
من أحد وسائل التلاعب بالعقول ما يسمى ب (قدح الشرارة gaslighting)، وهو يعد شكلًا خبيثًا من أشكال السيطرة والتلاعب النفسي الذي يمارسه شخص على آخر أو جهة على أخرى، حيث يسعى ذلك الشخص إلى زرع بذور الشك في عقل شخص معين أو مجموعة معينة، مما يجعلهم يشكون في ذاكرتهم، وإدراكهم، وسلامتهم العقلية، باستخدام الإنكار المستمر والتضليل والمناقضة والكذب. بحيث تجري تغذية الضحايا عمدًا وبشكل منهجي بمعلومات كاذبة تقودهم إلى التساؤل عما يعرفون أنه صحيح، في كثير من الأحيان عن أنفسهم. وقد ينتهي بهم الأمر إلى الشك في ذاكرتهم وتصورهم وحتى عقلهم. وبمرور الوقت، يمكن أن تصبح تلاعبات (قدح الشرارة) أكثر تعقيدًا وفاعلية، مما يجعل من الصعب بشكل متزايد على الضحية رؤية الحقيقة.
نشأ مصطلح “gaslighting” عن مسرحية «باتريك هاميلتون» «ضوء المصباح» والفيلمين المأخوذين عنها في عامي 1940 و1944 الذين حملا العنوان. نفسه. تحكي المسرحية عن مصابيح الغاز في بيت الضحية والتي يعمد زوجها إلى تخفيض ضوئها لإضاءة مصابيح العليّة بشكل أكبر أثناء بحثه الليلي فيها، ويقنع زوجته أنها تتخيل الأمر. واستخدم المصطلح في سياق علم النفس العلاجي والأبحاث، إضافة إلى استخدامه في سياقات سياسية.
وتتراوح درجات التلاعب بالعقل بين إنكار المعتدي لأمور قد حدثت إلى فبركة حوادث غريبة بنية إرباك الضحية. ويمكن أن يحدث قدح الشرارة في العلاقات الشخصية أو المهنية، ويجري استهداف الضحايا في صميم وجودهم: إحساسهم بالهوية والقيمة الذاتية. الأشخاص المتلاعبون الذين يشاركون في هذه الألاعيب النفسية يفعلون ذلك للحصول على السلطة على ضحاياهم، إما لأنهم ببساطة يستمدون المتعة المشوهة من الفعل أو لأنهم يرغبون في السيطرة عاطفيًا أو جسديًا أو ماليًا على ضحيتهم.
ومم أبرز الأمثلة على هذا التلاعب النفسي بالعقول، ما يمارسه الإعلام الغربي ضدنا من عملية تزييف ممنهجة للحقائق وحرف فاضح للأحداث عن مسارها الحقيقي، وإطلاق سيل لا ينقطع من الأكاذيب والتشكيكات لضربنا في قناعاتنا وتشكيكنا في هويتنا وقدرتنا وإمكاناتنا.
وبحكم سيطرته المطلقة على الإعلام، قد نجح في عمله الخبيث الى حد كبير، ونحن نعايش ذلك بوضوح هذه الأيام في معركة الوعي وتنافس السرديات، في الاحتجاج حول الطرف الذي يملك الحق والمشروعية. ولذا ينبغي منا، الوعي والانتباه لهذه الحرب النفسية الشرسة التي تحتدم ضدنا لأنها حرب متواصلة لكيّ للوعي يجب علينا مواجهتها.