جمرة على خد بائس
السيد فاضل آل درويش
تأثير حالة العوز والحاجة وفقدان مقومات الحياة الكريمة من الناحية المادية – بالتأكيد – يلقي بظلاله الثقيلة والمؤلمة على نفسية الفقير، ولا غرابة في ذلك إذ أن التعفف عن طلب الحاجة من الغير هو ما يحفظ ماء وجهه، فيعمل جاهدًا على تقديم المستلزمات الضرورية قدر الإمكان لأسرته، أما إذا بلغ الأمر منتهاه واحتاج بشكل فعلي للمساعدة وأراد الإفصاح عنها فإن لسانه يتلجلج ويتلكأ، فالحاجة إلى الناس فيها إراقة ماء الوجه ولا يبذلها العفيف إلا في حالات الضرورة، ورد عن أمير المؤمنين (ع): (والفقر يخرس الفطن عن حاجته)(نهج البلاغة ج ٤ ص ٣).
ومع ذلك فإن المحتاج من الناحية النفسية يصاب بالانقباض والاضطراب الوجداني، ولذا نجد في القرآن الكريم الإشارة إلى الاهتمام بهذا الجانب النفسي للمحتاج وتجنب جرح مشاعره عند تقديم المساعدة المالية، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ .. }{ البقرة الآية ٢٦٤ }، فتقديم المساعدة المالية للفقير لا بد أن يصاحبها العطاء المعنوي المتمثل بمراعاة الحالة النفسية والوجدانية للفقير، فلا يمن عليه بتعداد النعم ومرات الإنفاق على الفقير، ولا يؤذيه بالتعيير بحاله السيء من الناحية المالية.
الناحية النفسية للفقير وانتشاله وأسرته من الشعور بالنقص والمذلة أمر مهم ينبغي مراعاته والمحافظة عليه، فلا فائدة ترجى من عطاء يسد حاجاته المادية وتخفف عنه آلام العوز بينما توجه له حراب الأذى النفسي وإشعاره بأنه جنس آخر يختلف عن بقية الناس، فإذا أردنا مساعدة الفقير والاقتراب من عالمه الخاص فليكن ذلك عن علم وخبرة في التعامل معه، والنجاح في التعامل معه والقدرة على إخراجه عن خط الفقر وهاويته يكمن في المعاملة الإنسانية الطيبة معه وانتقاء العبارات الرقيقة غير الخادشة لمشاعره وحيائه، حينئذ نكون فعلًا قدمنا المساعدة له عندما دفعنا عنه الشعور بالنقص، فالفقير وأسرته كبقية أفراد المجتمع في الإنتاجية والعطاء إذا انخرطوا في التنمية المجتمعية ومارسوا العمل المناسب لهم، فكم من عظيم في فكره أو وظيفته يتبين لنا من خلال سرد سيرته الذاتية أنه كان من بيت وبيئة فقيرة، ولكنه امتلك الإرادة القوية وتمسك بأهدافه وتطلعاته وحصل على المساعدة من أقربائه ومجتمعه المساعدة التي أوصلته إلى أعلى المستويات.
إن إهمال مشاعر الفقير ونقطة الحياء في وجهه إذا أريقت فالويل والثبور سيحيق باستقرار المجتمع، وذلك أن أحد أهم دوافع الفرد للتوجه نحو الانحراف والتعدي على ممتلكات الغير هو شعوره بالكراهية والحقد تجاه أفراد المجتمع الذين يراهم يتمتعون بالحياة الكريمة، بينما هو يعاني من الفقر والحرمان وفقدان الاهتمام والرعاية، فتتملكه المشاعر السلبية التي توغر قلبه وتحركه بمشاعر ملتهبة نحو روح الانتقام من الذين يراهم سببًا كبيرًا – بإهمالهم له – في الحالة المادية السيئة التي يعاني منها، ستكون نظرته المستقبلية تتسم بالتشاؤم ويصاب باليأس وهنا مكمن الخطورة، فإذا فقد الفرد مقومات الكرامة وانغلت عنه الأيادي البيضاء فستظلم أبواب الحياة أمامه، ولذا فإن الحل المتوافر والقوي لمشكلة الفقر هو الاستظلال بمظلة التكاتف والتكافل المجتمعي، حيث يمد أصحاب القلوب النقية يد العطاء للمحتاجين فيبلسمون آلامهم ويخففون عنهم وطأة الحاجة .
والفقير إذا أغفل عنه أفراد المجتمع يد العطاء كان من آثار ذلك تحويله إلى إنسان محطم فاقد للطموح وتحقيق الأهداف والآمال الخاصة به، يتبدل إلى شخص محبط لا يرى بارقة أمل مستقبلية تتبدل فيها أحواله وتتغير عن حالة العوز والحرمان، فالمحرك والدافع القوي عند الفرد نحو العمل المثابر والإنتاجية هو ثقته بنفسه وبقدراته الخاصة لتحقيق تطلعاته، فإذا كان محبطًا ومحاطًا بهالة من اليأس فلن يتحرك خطوة واحدة نحو الأمام، فهو يرى حالة الفقر حاجزًا منيعًا يسد طريق طموحاته ولا يمكنه بأي حال من الأحوال تجاوزه مهما كانت الظروف، بينما الفرد – وإن عانى من الفقر – ولكنه يلمس عين الرحمة من أفراد المجتمع وتمد يد المساعدة قدر الإمكان، سيتحرك بقوة بفعل عامل التفاؤل والأمل نحو تجاوز العقبات والعراقيل المصادفة لطريقه.
ونختم بالحديث عن الحالة النفسية للفقير وأسرته وسحنة الكآبة المرتسمة على وجوههم يسبب الإحساس بالحرمان، ويتحول إلى حالة نفسية مرضية تعيق من تواصله الاجتماعي فينزوي في البيت ويميل إلى حالة العزلة، الشعور بالخوف والقلق من المستقبل المجهول والغامض.