نافذة المستقبل
السيد فاضل آل درويش
عماد حركة المجتمع الجوهرية والفاعلية المزدهرة قائمة على ما يبذله أفراد المجتمع من جهود وعمل مثابر لا يتوقف، وصنع شخصية الفرد نابعة مما يحمله من تربية وثقافة تدعوه إلى نبذ الكسل والتعاجز والتحرك بهمة عالية وإرادة صلبة عصية على العثرات والعراقيل، ومتى ما أردت أن تلقي الضوء على تقدم مجتمع معين فليكن مسلطا على ما يمتلكه أفراده من وعي ونضج يكشف عن فكر منظم، والنظر في مكونات أفراده وهويتهم الثقافية والمعرفية التي تحفظ ذلك البناء منيعا وعصيًا على الاهتزاز والاضطراب، فهذا التاريخ البشري عندما نتصفح أوراقه نجد أن المجتمعات في تقدمها وازدهارها خاضعة للمكون الفكري والسلوكي لأفراده، ومن المهم إخضاع التجارب المجتمعية لمجهر التأمل والاستنتاج للانطلاق من تلك الخبرات وإكمال المسيرة بعدها.
الواقع – مهما كان سيئًا ومريرًا ومؤلمًا – ليس بالقدر المحتوم الذي لا يتزحزح ولا يتغير، بل هو محطات اختبارية لقدرات وإمكانات أفراد ذلك المجتمع للعمل على النهوض والتغيير الإيجابي متسلحين ببارقة الأمل والتفاؤل، فإن من أهم عوامل الهدم المجتمعي هو سوس اليأس الذي إذا دب في النفوس أوهنها وأصبحت مقيدة بتلك الأوهام وتبقى دون حراك، ففكرة الجزئية من الحركة التنموية والتفاعلية المجتمعية يشكل خيط البداية للسير بخطوات ثابتة نحو إثبات الوجود وتحقيق الإنجازات الرافعة لشأنه.
المجتمعات المتقدمة بدأت من الصفر وكانت تعاني من الضعف (التخلف) في كثير من الجوانب الاقتصادية والتقنية وغيرها، ولكن بدايتها انطلقت بالشكل الصحيح من خلال التمسك بمأثوراتها القيمية والأخلاقية والاجتماعية وهويتها الثقافية، ومن ثم بدأت مرحلة التخطيط والبحث عن جوانب تقديم حياة أفضل بواسطة التقنيات الحديثة، ولذا من الخطأ البكاء والتندم على الماضي والتأسف عليه واستذكاره باجترار الذكريات المؤلمة والعيش في كنفها، مما يؤدي بنا إلى الوصول حينئذ إلى دائرة التفكير السلبي والنظرة التشاؤمية والإصابة بالشلل والإحجام عن المشاركة في الحركة التنموية في المجتمع.
الاهتمام بالتحصيل العلمي وتكوين الزاد المعرفي والثقافي هو البداية نحو تحقيق أعلى درجات الوعي والتفكير الصحيح، والتغلب على ما يواجهه الفرد من مشاكل وعراقيل تصادف سيره نحو تحقيق أهدافه، وأما ما نجده اليوم بين بعض الشباب من انبهار بعالم يحسبه تحضرًا وتقدمًا، حيث يقضي الشاب والفتاة معظم وقته متنقلًا بين وسائل التواصل الاجتماعي متصفحًا، دون أن يكون عنده نظام يدير من خلاله تصفحه فيرى ما يكسبه المعرفة وما يتحصل منه على فائدة، بل يتنقل بين المقاطع المرئية والمسموعة التي تتصف بالسطحية وانعدام الفائدة؛ لتكون الحصيلة النهائية من ذلك تضييع أوقاته وغياب أي إنجاز يثبت وجوده ومكانته، فغياب الهدفية من ميدان العمل والمعرفة آفة تضعف القدرات العقلية والمهارية عند الفرد.
اهتمامات الإنسان طموحاته و تطلعات وما يشغل فكره وما يمتلكه من إرادة تواجه التحديات والصعاب من عدمها، هو ما يحدد مكانة الفرد ويفصح عن مسيره ويرسم هوية مستقبله، فالشاب الناجح يسابق الزمن وكأنه فرس لا يتوقف عن الركض في وسط المضمار، ويغتنم الوقت ويقسمه لمراحل ينتقل من مرحلة إلى أخرى مستشعرا السعادة والراحة النفسية مع كل إنجاز ونجاح يحققه، ومهما واجه من مشاكل وصعوبات فإنها لا تقهره ولا تصيبه باليأس، بل يعدها محطات تحد و اختبار لقدراته وإصراره وصموده، فيعمل جاهدًا على البحث عن المخارج والحلول الممكنة وتنفيذها على أرض الواقع.