لقاء خاص.. قصة المهندس الشايب والنخلة. لقاء تاريخي حضاري (الحلقة الثالثة)
رباب حسين النمر: الأحساء
كيف تقيّم تجربة الشباب الثقافية؟
بعد كل جيل يُطرح هذا السؤال واستدامة طرحه مهمة تقييمية ونقدية للواقع، وعما إذا كان هناك استمرار مدارس الجيل الأسبق أم هناك تغيير، وهل هناك حاجة لهذا التغيير؟
إن تتابع نشوء أجيال في الفعل الثقافي بحد ذاته جميل، وربما يكونون أكثر حراكًا لمعرفة ما يطرح عالميًا، وفي مصادر صنع الثقافة، وجاءت رؤية ٢٠٣٠ لتضع النقاط على الحروف في وهجها بدور الشباب والشابات مع آليات تمكين المرأة، وهذا جعل الحضور منافسًا في مفاهيم الجندر وتكافؤ الفرص.
وقد شجع ذلك سواء بإرادة التكليف أو ذاتية الحراك إلى الحضور الشبابي في فن السرد كما في الإعلام والفنون الأخرى، وأتاح النشاط مخرجات تدل على وجود مهارات تستحق العناية والمتابعة لإنضاجها، تختلف في بيئتها الثقافية عن السائد التقليدي أو الموجه سابقًا بشيء من الحرية التي تعطي نقلة إيجابية مستقبليًا، بل ثبت بنسب مختلفة حالات إبداعية، ومع ذلك فإن قياس التجربة في الفعل الثفافي تظل محل مراقبة سواء للكم أو للكيف، ولكنها مرتبطة بالزمن.
يعد حضور القصة القصيرة ضعيفًا مقارنة بالشعر في المملكة، ما تعليقكم؟
يعد الشعر حالة جماهيرية، حيث إن آليات الحضور أكثر سعة أفقيًا واجتماعيًا من القصة التي تعد إلى حد ما مرتبطة بفن السرد في مجتمع مريدي هذا الفن.
ويحظى الشعر أيضًا بحضوة في إقامة الأمسيات حتى في المنتديات الأهلية والمجالس، ولكن لا يمكن إغفال النشاط في كتابة القصة بالمملكة في السنوات العشر الأخيرة مما وضع لها أرضية وبصمة، واستطاع النشاط تفعيل الحضور في المنتديات وحتى ما سمي بالندوات للقصة التفاعلية. وهذا الحضور يبشر بتسارع أكثر مما سيخلق توازنًا ثقافيًا في التعاطي الأدبي، وفي الأحساء- كما في غيرها -هناك حراك جميل في الإصدارات القصصية.
كان لك جهد في مفاهيم حضارية، مثل التسامح والتعددية والعيش المشترك والانتماء الوطني، ما تعليقكم حول ذلك
هذا موضوع يطول شرحه، وأقول باختصار: إن نشر ثقافة الاعتدال ذا أهمية وكذلك العمل عليه سواء في الجانب الشخصي أو الجمعي. والتسامح كما نؤمن به هو خيار إيحابي تحمله الأجيال بالتواتر، الأمر الذي يجعل من التعددية وضعًا طبيعيًا.
وهذا ما وجدنا عليه الأسلاف، فانتقل مع كون الاختراقات التمايزية لعبت دورها (الطائفية، الطبقية، المناطقية، القبلية وغيرها) ولكن كان هناك جهد رسمي وأهلي لدرئها.
قيمة التسامح بمعرفة الآخر تؤدي إلى الاحترام المتبادل، والثقة التي تؤدي إلى الاطمئنان وعدم القلق هو ماينتج عنه التعايش.
والفعل الثقافي المرتبط بالانتماء للأرض وإعمارها يشكل الأساس بتجنيب حالة الأيدلوجيا، وهو أيضًا منهح فطري في السلوك (ومجتمعات الأحساء تمثل أنموذجًا معرفيًا في ذلك بوعي المطلب التنموي وغيره) وهذا يؤدي إلى ترسيخ وتعزيز السلم الأهلي والأمن الفكري ونبذ العنف واستخدام الطرق الأدائية للوصول
لتحقيق مخرجات كفيلة بجودة الحياة.
إن السلم الأهلي المتحقق بالرأي الجمعي حتى مع وجود الاختلاف يحقق محاربة الإرهاب وعدم وصول العداء لحالة التجني الشخصي أو مكتسبات الوطن الكريم، والتسامح صفة لا تعني الرضوخ للسلبيات أو تركها بل العكس، فهو محاولة إصلاحها ما أمكن ذلك حتى يكون المجتمع صحيًا اجتماعيًا.
كيف كانت تجربتك في تقلد سفير النوايا الحسنة ورئاسة لجنة التراث؟
حين يتم ترشيح الشخص للانضمام الى منظمة أو جمعية دولية تعنى بالسلام ونشر المحبة؛ فهذا يعني اطلاعهم على سيرة الشخص وسلوكه وأدائه في هذا الاتجاه المبني على العمل التطوعي والخيري، وهي شهادة استحقاق حين يمنح الشخص من هذه الجهة أنه سفير النوايا الحسنة للعدالة والسلام، وهذه الجهات تكون مرخصة في الدول التي تؤسس فيها وتسجل ضمن الأمم المتحدة ليكون قيامها بأعمالها النوعية التطوعية الخيرية بعيدًا عن السياسة أو الأيديلوجيا الطائفية أو ازدراء الأديان.
من هنا كانت عضويتي في الجمعية النرويجية للعدالة والسلام، وهي تعمل على تعزيز التواصل ودعم المشاريع النوعية التطوعية والخيرية، وفي عضويتها من يتماثلون وينقلون الهم الإنساني. وأسعى أن أحضر اللقاء السنوي للجمعية، ويتضمن لقاء الأفاضل من أقطار عربية مختلفة.
أن تكون سفيرًا للنوايا يعني أن تحمل الهم المجتمعي الإصلاحي التنموي، وإزالة أسباب الألم كالفقر أو المرض وغيره، والإسهام في نشر الوعي للعمل التطوعي، والأهم هو أن تبقى الروح وثابة محبة للخير، ولديها ثبات في العلاقة الإنسانية بما يكفل الإطمئنان ونشر السلام.
وإذ أؤمن أن الفنون بصفة عامة أحد أوجه الأنشطة التي تدخل البهجة بالمشاركة مع الشعوب، الأمر الذي يعد مدخلًا للتسامح وتبادل الاحترام وهذه من مكاسب الخلق الرفيق ولها قيمة عليا.
ويظل الإنسان أذا حمل لقبًا محل مسؤولية يحافظ على هذه السمة الجميلة، وبها يركّز في حضوره وأن يكون تصرفه قدوة ومثالًا ومحفّزًا، ومثل هذا الحكم متروك للآخر والعون من الله تعالى.
بعد أعوام من الكتابة والاهتمام بالمعمار والتراث ما الرسالة التي توجهها للأجيال القادمة؟
وطننا يستحق هذا الجهد وأكثر، ونحن على طريق التنمية مطلوب منا الإسهام الجاد والفعل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي وغيره لتتكامل منظومة العمل الإنسانية سعيًا لأنسنة الحياة وجودتها (معًا نحو التكامل) وتحقيقًا للدولة الحديثة دولة الرفاهية.
هل هناك ضعف في الحضور الفكري للكتاب؟
نعم، ولكن مع رؤية ٢٠٣٠ هناك جهات ومناشط وجمعيات تضع اللبنات لتفعيل كل ما من شأنه حضور الأطروحات الفكرية والإصدارات، وبوادر ذلك تظهر رويدًا متأملين أن تجد المناخ التفاعلي لتحقيق أهداف تتجلى فيها مناخات فكرية وحوارات فاعلة.
ما مفهوم الوطن عند عبدالله الشايب؟
الوطن ذلك المحتوى من الأرض الذي يفيض بمقوماته لتتعامل الحواس الخمس معه، فيتولّد ذلك الرابط الخفي الأصيل “المحبة” حين يقال: حب الأوطان من الإيمان.
الوطن تلك المساحة التي يتخلّق فيها الإنسان فيأتي إلى هذه الدنيا من خلاله لتكون مسقط رأسه.
الوطن هو دبيب الحبو عليها وتخطي الأرجل واشتداد العود.
الوطن هو ذلك الإنتماء الذي تثار فيه الفطرة للدفاع عنه معنى ومادة.
الوطن هو الأمل المنعقد في كون انتظار السنين لنتاج فسيلة.
الوطن هو السباق للانعتاق من الجمود إلى دائرة التغيير والتطوير.
الوطن هو الامتداد الأفقي في رهان التسامح والتعايش، والعمودية التي يتكامل فيها الشخوص.
الوطن هو الذات المستدامة البحث والفعل لتنمية الإيجابيات ودرء السلبية ما أمكن ذلك، أو التقليل من أثرها.
الوطن هو مهارة إعمار الأرض للإسهام في سيرورة الإنسانية ونشر السلام.
الوطن هو تاريخ متراكم وموروث منعكس في الوجدان قيمًا راقية وسامية يسعى لتأكيدها بمخرجات تعبر عن السلوك وحسن المعاملة والعطاء.
الوطن هو تلك الجغرافية باستحقاق خدمته تطوعًا.
الوطن هو محل الاعتراف بما ينجزه لإنسانه فيكون محل فخر واعتزاز.
الوطن هو الإنسان والإنسان هو الوطن حين يجسّر بعض آلامه من أجل مصلحة الوطن.