الخطاب الثقافي والتنمية الاجتماعية.. على عرش البيان
رباب النمر: سيهات
“من التاريخ الفكري تشدني فكريًا ومعرفيًا كل الكتابات المتعلقة بالسير الفكرية والتجارب الثقافية، لأنني أعتقد أن هذه الكتابات تحتضن الكثير من العبر والدروس التي يستفيد منها الإنسان بعمق وصدق في آن، فالإنسان من الناحية البيولوجية لا يستطيع أن يعيش حياة الجميع، ولكنه بإمكانه أن يستفيد من تجاربهم وأطوار حياتهم الفكرية والمعرفية، ولا يمكن أن يتحقق ذلك من دون الأطلاع على سيرهم الفكرية وتجاربهم الثقافية”
بهذه المقدمة بدأت أمسية منتدى سيهات الأدبي عرش البيان في مقره الرسمي مساء الأحد الماضي التي أدارها إبراهيم الرواغة، وجاءت المقدمة في حديث فضيلة الشيخ المفكر والكاتب محمد بن جاسم آل محفوظ التي وسمها بعنوان: “الخطاب والتنمية الاجتماعية”، بحضور لفيف من أعضاء المنتدى، وأعضاء ملتقى سيهات الاجتماعي.
وقد أكد فضيلته في العرض الذي تناول عدة محاور على ضرورة العناية بمفهوم الفردية على النحو الإيجابي، وخلق مسافة بين الخطأ والمخطىء. وضرورة إحياء الفكر السنني في المجتمع.
وتناول الشيخ المحفوظ في المحور الأول نماذج من عناية الأدباء والمفكرين بكتابة سيرهم الأدبية والفكرية حيث قال: “دون طه حسين بعض سيرته في أيامه، والدكتور سمير أمين كتب سيرة ذاتية فكرية، وجلال أمين، وأيمن صايغ، وحازم صاغية، وزكي نجيب محمود في حصاد السنين، وعلي حرب في خطاب الهوية – سيرة فكرية وغيرهم من المفكرين والمثقفين الذي كتبوا سيرتهم الثقافية، وجميع هذه السير مليئة بالمضامين المعرفية والإنسانية التي تستحق التأمل العميق فيها والاستفادة منها على المستويين الخاص والعام”
عارضًارفي المحور الثاني أنموذجًا مثاليًا لكتابة السيرة الذاتية وهو الدكتور علي حرب في كتابه الموسوم بخطاب الهوية ..سيرة فكرية، فقال ” استطاع أن يضع لقرائه جملة الأطوار النفسية والفكرية والفلسفية التي مر بها في حياته العامة والعلمية، وكتابه عبارة عن مسيرة فكرية نضجت وتطورت، واتخذت أبعادًا عديدة، وخيارات مختلفة، وهي ما زالت سيرة مفتوحة على كل الخيارات والقناعات والأفكار الكبرى.
وتحدث في المحور الثالث عن تدوين الدكتور سمير أمين لسيرته الفكرية فقال: “ويدون الدكتور سمير أمين في سيرته الفكرية هذه الحقيقة (لم تكن اهتماماتي الفكرية على الإطلاق اهتمامات جامعية بالمعنى الضيق للكلمة، بل اعتبرت نفسي دائمًا، بالأحرى، مناضلًا لتحرر الشعوب، واضعًا بخدمتها كل المعرفة التي استطيع الحصول عليها من خلال تكويني الفكري. وكانت التحليلات التي اعتقدها صائبة تستوجب بالنسبة لي مواقف وخيارات سياسية. وما أزال إلى الآن أحمل وجهة النظر الجوهرية هذه ذاتها، فهناك إذن علاقة وثيقة بين هذه التحليلات واللحظة التاريخية والسياسية التي تقع ضمنها والخيارات العملية التي سلكتها)
ونبه الشيخ المحفوظ في المحور الرابع إلى ضرورة اهتمام المفكرين العرب بتدوين سيرهم الفكرية، وأطوار نموهم العلمي والثقافي، حتى يتسنى للقارئ العربي معرفة منطق التفكير لدى كل مفكر، والتاريخ الفكري الذي مر به المفكر، فقال: “من الأهمية بمكان في هذا الإطار أن نفرق بين المذكرات اليومية، التي غالبًا ما توضع وكأنه بطل على الدوام، وإن آراءه الفريدة سبقت عصره، وإنها كانت ملازمة لشخصه منذ بداية تكوينه العلمي، وبين السيرة الفكرية التي تجعل المفكر كتابًا مفتوحًا بأطواره الفكرية وقلقه المعرفي، وأخطائه السياسية، وتنقلاته المعرفية.
وطرح الشيخ المحفوظ في المحور الخامس جملة من المسوغات التي تجعل العناية بالسير الفكرية ضرورة معرفية وثقافية أهمها ما يلي:
1-أن كتابة السيرة الفكرية هو جزء من عملية توثيق المرحلة الزمنية من زاوية فكرية – ثقافية .. ونحن في العالم العربي أحوج ما نكون إلى عملية التوثيق الفكري والرؤية الثقافية، وإلى جملة الأحداث الجسام التي مر بها عالمنا العربي.
2-إن قناعات المفكر وآراءه الثقافية والفكرية ليست ثابتة أو جامدة، وإنما هي قابلة للتحول والتطور والتغيير، وإن كتابة السيرة الفكرية وبشكل موضوعي، تساهم بشكل كبير في تجديد قناعات المفكر الثقافية والفكرية، ولا يجعل قراء هذا المفكر ومتابعيه ينظرون إلى آرائه وأفكاره، نظرة نمطية ثابتة.
3-إن هناك علاقة عميقة، تربط الإنتاج الفكري والثقافي لأي مفكر، والواقع الذي يعيشه محيطه الثقافي والاجتماعي والسياسي. ولذلك من الصعب الفصل بين ما يكتبه المفكر، وما يتطلبه محيطه، إلا أن النص الفكري الذي ينتجه المفكر ليس صريحًا في بيان خلفية المحيط وتداعياته وتأثيراته.
كما أجاب الشيخ المحفوظ في ختام المحاضرة عن أسئلة طرحها الحضور.
الجدير بالذكر أن الشيخ محمد المحفوظ كاتب سعودي وُلد في الخامس من يونيو عام ١٩٦٦م في مدينة سيهات، وعمل بالصحافة وكتب في العديد من الصحف السعودية مثل: جريدة الرياض، وجريدة اليوم، ويشغل حاليًا منصب مدير تحرير مجلة الكلمة، وله عدّة مؤلفات حول علاقة الإسلام بالغرب، وواقع الديموقراطية والحوار في العالم العربي، كما ساهم بالعديد من الأطروحات الفكرية لمعالجة قضايا العنف والتطرف عبر مؤلفاته.