ما تحت الرماد
السيد فاضل آل درويش
حياة مستقرة ملؤها الانسجام وتبادل المشاعر العاطفية والاحترام والثقة في أجواء من الراحة النفسية، وفجأة يتبدل المشهد ويتلبد بسحاب الشكاوي والتذمر والتشاؤم من مسار العلاقة الزوجية، في وضع لا يصدق فيه ما يسمعه من سيل اتهامات بالتقصير وتبلد الحس الوجداني، فأين ذهبت تلك المظاهر التي يراها الأهل من تعاون مشترك وتقدير لا يشوبه شيء من النزاعات ما عدا المشاكل والخلافات البسيطة المسيطر عليها التي سرعان ما يزول منها جو الزعل ويعود مجددًا رسم الابتسامة، والوضع الجديد المتغير لا يصدق ولا يشابه العلاقة السابقة وكأنها رابطة زوجية تتعلق بشخصين آخرين، فعندما يتحدث الزوج أو الزوجة لمن هو مقرب إليه كثيرًا وينفس عما يحمله من ضغوط وتوترات هائلة تعصف بكيانه وتفقده البسمة والإحساس باللحظات الجميلة، يذكر جوًا من المأساة والألم يعاني منه بسبب شريك حياته الذي لا يقدر دوره الوظيفي في علاقتهما، وما كان يبذله في سبيل راحته وسعادته ومشاركته له همومه وتطلعاته وتقاسم الحياة حلوها ومرها، فعلاقتهما دخلت مرحلة الموت السريري والانفصال الصامت فيلوذ كل من الشريكين بنفسه وبعالمه الخاص وينكفيء على برنامج يمارس فيه كل شيء سوى تبادل المشاعر والتفاهم مع شريك حياته كما كان سابقُا، ولعل المدهش في الأمر هو عدم معرفة الكثير بالعوامل الهدامة والمخربة لعلاقته بشريك حياته وتغير مسارها ومناخها.
هناك سؤال مهم وجوهري في المسألة، وهو: هل يمكننا الركون إلى مسبار اختبار لمستقبل العلاقة الزوجية واستشراف ما ستكون عليه مستقبلًا، بكل ما تحمله من علامات حيوية كالتفاهم والاحترام أم أن هذا الأمر فرضية لا محل لها من الواقع وضرب من الخيال؟!!
في الحقيقة لا يمكن لأحد تقديم صورة واضحة وتفصيلية للعلاقات الزوجية واتجاهاتها الإيجابية أو السلبية، ولكن هناك عوامل وتصرفات ومظاهر تشي بالشيء الكثير ومن خلالها يمكن وضع تصور أولي لها، فمسألة التبدل والتغير المفاجيء دون سابق إنذار فكرة غير صائبة، بل هناك جمر تحت الرماد ومشاكل كالكتاب المفتوح لما توضع لها من محددات وإطارات لإنهائها بالشكل المرضي عند الطرفين، فلا يخفى علينا ما نسميه بالتراكمات السلبية وهي نتاج مسلسل مستمر من الخلافات والإساءات المتبادلة التي جاء الوقت الذي لا توجد عند أحد الشريكين القدرة النفسية على تحمله والتجاوز عنه، ولذا فإن الوقوف عند كل خلاف – مهما كان بسيطًا – وتبادل وجهات النظر حوله وتهدئة الخواطر والاعتذار عن الخطأ، تعني بداية متجددة ومسح لما تراكم من شعور بالإحباط والزعل، ولكن البعض منا يميل إلى راحة باله – كما يظن – من خلال الابتعاد عن وجع الرأس المتمثل بالحث عن حلول للمشاكل والخلافات، ولا يدري بأن ترحيل المشكلة دون حلول مرضية وممكنة يعني تحولها إلى عقدة وفجوة بينهما.
كما أن فهم شخصية الآخر وظروفه واحتياجاته يوفر ويشيع جوًا من الألفة والمحبة، فهو يساعد على تكوين آلية التفاهم والحوار وتهدئة النفوس عند منعطفات الخلافات، فالبعض لا يفكر أصلًا في اقتطاع جزء من وقته لتشكيل ثنائي مع شريك حياته يتقاربان فيه فكريًا، ويستمع كل واحد منهما لهموم وآمال الآخر ليكون جزءًا من نجاحه وسعادته، فمن غير المعقول أن يطلب من شريك حياته أن يكون متفهمًا لظروفه وعامل مساندة له في مواجهة الصعوبات وضغوط الحياة، بينما تجده في المقابل لا يمد يد العون والمساعدة والتنازل والتسامح مع أبسط خلاف بينهما، فالعواطف الصادقة المتبادلة بين الزوجين لا تقتصر على الكلمات الرقيقة والحانية المشعرة للطرف الآخر بما يكن له من محبة، بل هي مجموعة المواقف التي يشعر فيها شريك الحياة بما يقدمه الآخر من مساندة، وهذا الرصيد المواقفي والعاطفي يشكل مصدًا وجدارًا منيعًا أمام الخلافات وسوء الفهم فلا يسمح لها بتفتيت علاقتهما القوية، فأجواء التوتر والزعل لا يبددها الصمت عن شريك الحياة وتجاهل مشاعره وخاطره، وإنما تتلاشى من خلال احترام الآخر والاستماع له والمشاركة الفعلية لتجاوز ذلك الخلاف.