كورونا .. وحرب الخليج (الحلقة الثانية)
رباب حسين النمر
قبل حلول الفجر لاح مدخل الرياض (العاصمة) المدينة الأسطورية التي كان والدي يتحدث عنها، وعن (شقة الثميري)، وأتخيلها، ولم يدر بخلدي يومًا ما أن أدخلها في حين خوف طلبًا لملاذ آمن!
الشوارع الشاهقة كانت نائمة، والبنايات التي تناطح السحب أغمضت جفونها، فقط كانت المآذن المرقشة بالأضواء الخضراء تمارس عملها في شق باكورة اليوم بأذان الفجر!
وصلنا إلى (فندق الراجحي)، وسرعان ما حمل العامل أمتعتنا المحدودة إلى الطابق الثالث، كانت الممرات طويلة، وذات إضاءة خافته، كطول المسافة الحزينة التي ابتلعت بيتنا وابتلعت الدمام. بخلاف الغرفة التي كانت كبيرة بشكل يكفي لأسرة مكونة من تسعة أفراد.
ننام متجاورين، يحتضن بعضنا البعض، لاشيء في هذه الغرفة غير القلق، وانتظار مصير مجهول، ومتابعة أخبار راديو لندن ومونتي كارلوا لالتقاط آخر الأخبار، أشعر بحاجة إلى تغيير الرتابة فأتمشى في الممر الطويل، أصل إلى نهايته حيث نافذة واسعة تطل على الخارج، أرسل نظراتي عبرها فلا أجد غير أسطح بيوت طينية يغلب عليها لون الطين المائل للاحمرار، ويعود تفكيري لمصير الدمام المجهول، لجدي وجدتي وأعمامي وأخوالي، أي أرض أقلتهم؟ وإلى أين توجهوا؟
أيام خمسة كانت جسرًا من القلق إلى القلق، وحالة ترقب واستنفار وطوارئ مرت ثقيلة كأنها خمس سنوات عجاف!
……
وللدمام عدنا، للمدينة النائمة في فوهة المدفع، لا ندري متى يثور وتتساقط حممه البركانية على رؤوسنا!
كان التهديد بحرب كيماوية واردًا.
عدنا إلى البيت الجديد.
البيت الذي كان نحلم بكل زاوية فيه كيف ستكون؟
وبذلنا قصارى جهدنا في اختيار طلاء جدرانه، وتصميم أرضياته، وقطع السيراميك التي تغطي أسطح المطابخ ودورات المياه!
عدنا للبيت نفتش في زواياه عن مكان نحوله إلى ملجأ لوقت الأزمات
كنا نحلم بسكن البيت الجديد، بالغرف التي سنؤثثها بالحب والبهجة، ونفرشها بغيمات الأمل، كنا نتحرق شوقًا للاستقلال بغرف واسعة وخاصة. ونحلم بحديقة البيت وكيف سنمضي بها ليالي الشتاء نراقب الشواء ونرتشف شاي الفحم ونقشّر الكستاء، ونخطط أن نفرش بالفناء بساطًا كبيرًا نغطيه بكتبنا ودفاترنا ونذاكر في الهواء الطلق!
كل هذه الأحلام الجميلة اغتالتها حمحمة الدبابات النازحة من قعر بغداد إلى الكويت!
يتبع ….