كورونا .. وحرب الخليج (الحلقة السادسة)
رباب حسين النمر
عمتي سلامة كانت مصدر إشعاع في الحي. ابتسامتها المميزة، غمّازتاها المرتسمتان على خديها الضاحكين، جديلتاها المختومتان بغصن مشموم، حبها الطافح من قلبها الحنون، عذوبة حديثها وودها منقطع النظير كانت علامات فارقة ونقاط جذب لمن حولها، هي مغناطيس السعادة في الحي بأكمله فضلًا عن بنياتها وولدها وأبناء إخوتها وأخواتها وأولادهم.
السادس عشر من يناير 1991م أنهى تاريخًا من الحب والحنان، وخلف فراغًا مرهقًا ومتعبًا.
كلما عبرت أمام عتبة (عمتي سلامة) يسبقني الحنين، تتساقط على ذاكرتي صور الأعياد الشامخة بحضورها، طاغية الفرح بمحياها، أتذكر قطع الحلوى والبسكويت التي تدسها في يدي والعيدية التي لم تنقطع إلا برحيلها!
وتعود الصواريخ وسخام الحرب والأدخنة، وأصوات الفرقعات لتخترق جمجمتي وتدكها بخبر وفاة عمتي في حمحمة الحرب ودق طبولها المخيفة.
مجلس عزاء مهيب، يلفه شبح الموت القاسي، وقلوب واجفة حائرة، وملامح تختصر الحزن والخوف.
هو الموت حينما يختلط بالحرب!
يتراءى النعش للخيال، يحمله الرجال في لحظاتها الأخيرة على وجه الأرض، تتناثر على خطواتهم المتباطئة التهليلات، وتحوم فوق رؤوسهم الطائرات المقاتلة في طريقها إلى بغداد. صوتها يخلع القلوب ويصم الأسماع إذا ما سحقت الهواء تحت جسدها المنزلق عبر السماء بسرعة تفوق البرق سرعة، تنهال على الفضاء مخترقة الأثير لترمي بحملها الناري على شوارع بغداد وجسورها وأبنيتها لعل غرور الطاغية ينكسر فيركع ويستسلم!
ولكن هيهات لطاغية مثله أن يكسر جبروته، وهو من تعلّم إن يكرع الدم من جماجم الرؤوس، ويشعل سيجاره من حرائق أجساد الآدميين، ويأكل متفرجًا على مشاهد الإعدام والتعذيب والتصفيات الجسدية، ويقهقه ساخرًا من أوجاع المعذبين في سجونه قهقهات المجانين، ولا ينام إلا بعد أن يصدر صكوك أحكام الإعدام المجرمة.
مسخ، شيطان، مارد، فرعون، وكل النجاسات الروحية متكدسة في شخصه القبيح ولا يزال بها متسع لتستوعب كل مزابل التاريخ ولعناته!
تصدعت البنية التحتية لمدينة الزوراء، ربما سيمحى وجهها من صفحة التاريخ.
يتبع..