رباب حسين النمر
الثلاثون من يونيو 2004 يشهد حدثًا أشبه ما يكون بالتخلص من النفايات الزائدة وتصفيتها، فلا تتراكم في مشهد يثير الانزعاج في الحياة الحضارية.
بالقرب من مطار بغداد الدولي تقود
القوات الأمريكية صدام المعتقل مع أحد عشر مسؤولًا بارزًا في حزبه إلى الحكومة العراقية المؤقتة لمحاكمتهم في قضايا الحرب والجرائم الإنسانية والإبادة الجماعية.
ملايين البشر في دول الخليج والعراق تتسمر أمام شاشات التلفزة لمشاهدة محاكمة الطاغية، كنا نستحضر جرائم الإبادة الجماعية في حلبجة والحرب الكيماوية، وانتهاك حقوق الإنسان التي تمارس ضد شعب العراق، وتفاصيل الحرب العراقية الإيرانية التي أكلت الأخضر واليابس ثماني سنوات عجاف شداد.
الخامس من نوفمبر ٢٠٠٦ حيث كان يقبع رأس الفساد في قفص للمحاكمة البشرية والمحاسبات القانونية قبل أن يمثل أمام العدالة الإلهية كفأر مشاغب سقط في مصيدة الزمن بعد أن قلب ظهر المجن وعثا في الأرض فسادًا، وكأنما إنسان المنطقة عاد لالتقاط أنفاسه والشعور بالأمن والسلام عندما أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا قرارها القاضي بالإعدام شنقًا حتى الموت على صدام حسين، ومدير جهاز مخابراته السابق، ورئيس محكمة ثورته الملغاة، وتنفست الشعوب المنكوبة هواء نقيًا من الخوف وفقدان الشعور بالأمان
فجر السبت، الثلاثين من ديسمبر 2006 م، في يوم عيد الأضحى المبارك حينما أعلنت وسائل الإعلام المختلفة تنفيذ حكم الإعدام شنقًا على الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وبُثت مقاطع مسربة من عملية الإعدام على العديد من القنوات الفضائية، وكأنما تخلص التاريخ من حجر عثرة سبب للمنطقة ويلات ومآسٍ سودت جبينه ووصمته بوصمة لا يمكن محو آثارها.
…….
وضعت الحرب أوزارها.
عادة الحياة إلى الحياة.
نسي الناس لحن صافرات الإنذار، وصواريخ الباتريوت، والدبابات، ورجال الجيش الأمريكي، والعوائل الكويتية التي غصت بها المدارس، ونسوا موسيقى أخبار مونتي كارلو، وخطابات صدّام وتصريحات بوش ووزير حربه.
البيوت بُنيت، والنفوس زوّجت، ودفعات الطلاّب تخرجت، وعجلة التطور استمرت وتسارعت، وظهرت إلى الوجود الجوالات الذكيّة، وتطبيقات السوشل ميديا، فكان واتساب، وفيسبوك، وأنستقرام، وتليجرام، وتويتر، وسنابشات..
بدأت الحياة الفعلية تتحول إلى افتراضية بانتشار شبكات الإنترنت، والتجارة الإلكترونية.
أصبح الناس يتحدثون عن بُعد مجتمعين وكأنهم في مجلس واحد، وبدأت المعاملات التجارية تتخذ شكل تسوق إلكتروني، وشراء من نون وعلي إكسبريس، وأمازون، وشي إن بضغطة زر واحدة، فتصل إلى باب الدار.
الثورة الرقمية أحدثت تحولات اجتماعية هائلة.
أصبح التصفح عبر قوقل، ومواقعه الإخبارية جريدة الصباح وقهوة المساء وشاي ما قبل الغروب، ونمت الصداقات الدولية في المجتمع عبر منصات الألعاب الإلكترونية، وتطبيقات السوشل ميديا، وغرف البالتوك، ومنتديات عالم الإنترنت.
أصبح الشاب يعزف عن الحياة الواقعية ويغرق في عالم افتراضي رقمي متباعد الأطراف…
يتبع ….
