المرأة في القرآن

منى البوخمسين
قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ … ) الحجرات 13
الآية الكريمة تبين المساواة بين الذكر و الأنثى في خلقتهما, و جميع الأديان السماوية لا تفرق بينهما فهما مخلوقان من قبل الله تعالى, و لكن هل ظلت هذه النظرة عند جميع الديانات التي سبقت الإسلام ؟ بالطبع لا !
تفاوتت النظرات و اختلفت على مر العصور, فمحرفوا الديانة اليهودية والنصرانية الذين قاموا بتزوير القوانين الإلهية اعتبروا المرأة نجس و ما تلامسه فهو نجس أيضاً و اعتبروها من الخدم للملوك و يحق لوالدها أن يبيعها قبل أن تبلغ الحلم , و لا ترث و لا تملك .
و الأساطير اليونانية اعتبرت المرأة ينبوع جميع الآلام والمصائب وهي مخلوق من الدرك الأسفل و كانوا في فترة من الزمن يضعون القفل على فمها لا تتكلم إلا بإذن ولي أمرها , و يقول سقراط : ” وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة و لإنهيار العالم …”
أما الهندية فقد اجتمعت شرائعهم : ” إن المرأة وضعت لإغواء وفتنة الرجال و أن الوباء و الموت والجحيم و السم و الأفاعي خير من المرأة.
و أما الفرس الزرادشتية استباحوا المرأة للرجل سوآءا كانت أمه أو أخته أو أبنته, و المزدكية اعتبروا النساء و الأموال لا حرمة لهما و العالم كله شركاء فيهما, والمرأة في الحضارات اليونانية والرومانية والبابلية والفارسية والهندية وغيرها قد تم ظلمها واضطهادها وتحقير شانها و ابتذالها.
و في الجاهلية الجهلاء كانت المرأة ليست أفضل حظاً ممن سبقها فقد كانت نذير شؤم لوالدها و يحق له وأدها و إذا كبرت فلا ترث و لا تختار زوجها و تعد من ضمن تركة و ميراث الأب المتوفي لأبنائه.
وكذلك العالم الغربي الحاضر استهان بالمرأة وجعلها سلعة رخيصة مبتذلة في كل جوانب الحياة الاجتماعية و لتحقيق أهدافه المادية .
جاء الإسلام الحنيف و أنقذ المرأة من كل ما تعرضت له من ظلم و اضطهاد و احتقار و أعاد لها حقوقها التي سُلبت و ضاعت مع القوانين الوضعية الظالمة , وعدها العمود الثاني الذي يقوم عليه المجتمع و هي الأم و البنت و الأخت وهي مربية الأجيال و صانعة رجالات المستقبل, و عنصر الخير و البركة و الرحمة و مصدر الحنان و الشفقة.
و القرآن الكريم يثبت بالنص الصريح مكانة المرأة السامية فقد أعطاها حق المساواة في الخلقة الآدمية البشرية قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً…) النساء 1
و حق الكرامة الذي قد تتفوق على الرجل بالتقوى قال تعالى: ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ) الحجرات (13)
وساوى بينهما في التكاليف الشرعية قال تعالى: (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ…) آل عمران 195
و ضمن لها حقها في الإرث قال تعالى : (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) النساء 7
و ضمن لها حق البر من أبنائها قال تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ) الإسراء 23
و ارتضاها أحد الشهداء قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآء…) البقرة 282
و فرض لها الصداق من الزوج قال تعالى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ) النساء 4
و أوجب لها حق النفقة عليها و الخيار لرضاعة وليدها أم عدمه ولها أجر للرضاعة, قال تعالى: (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ ) الطلاق 6
وهي مكفولة في حياتها مع والديها و مع زوجها. قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
القرآن الكريم ذكر نماذج لنساء عظيمات مثل ملكة سبأ بلقيس فقد كانت سيدة لقومها ، و السيدة العذراء مريم التي اصطفاها الله و طهرها و اصطفاها على نساء العالمين ، و ذكر زوجة نبي الله أيوب (ع) و كانت مثال الزوجة المخلصة الوفية لزوجها و ذكر بنات نبي الله شعيب (ع) و حسن خلقهن و رأيهن الصائب.
و كذلك التاريخ الإسلامي مليء بسير النساء العظيمات اللآتي كان لهن دور في بقاء الإسلام و الدفاع عنه و ترجمنَّ بأفعالهن آيات القرآن الكريم و جسدنه عملياً في ملحمة حياتهن ، أمثال عقيلة الهاشمين سليلة بيت النبوة الحوراء زينب بنت علي عليهما السلام فكانت رمز الفداء و التضحية، و مثالاً للمرأة الصابرة العفيفة و القدوة الصالحة لنساء زمانها و إلى أن تقوم الساعة.