أقلام

الحاج عبدالحسين السميّن.. رجل الكفاح والإصرار

الشيخ محمد عبدالجبار السمين

هو الحاج عبدالحسين ابن ملا علي ابن الحاج الوجيه محمد السمين، من مواليد عام 1357هـ ، خاض في مجال العمل العديد من التجارب القاسية والمرّة رغم صغر سنه، فبدأ العمل وهو ابن الثمان سنوات، ورغم الظروف القاهرة التي ألمّت به والانتكاسات المادية التي مرّ بها؛ ولكنه بقي متجلداً، صلباً ، مقاوماً كل الصعاب، وهو ما يضرب مثلا ، ويعطينا درساً في الكفاح وترك اليأس، وأن الله قد أودع في الإنسان قوة يستطيع من خلالها التغلب على صعوبات الحياة وقساوتها .

البداية:
بدء العمل منذ صغره وهو ابن الثمان سنوات ، فابتدأ في الخياطة واستمر قرابة الثماني سنوات ، وكان والده الملا علي بن محمد السمين المشهور بأبي عبدالحسين يعمل في صياغة الذهب ، فلما كثر الطلب والزبائن لاسيما من قِبل أهل نجد ، طلب الأب من ولده عبدالحسين أن يلتحق بالعمل معه وكان له من العمر قرابة الستة عشر عاماً ، وقد عمل في صياغة الذهب وتعلم على يدي أبيه ، وكان يشد الرحال قاصداً بعض مناطق نجد لإيصال ما صاغه هو ووالده في الأحساء .

ثم استقل الحاج عبدالحسين في عمله في صياغة الذهب فصار يصوغ الثقيل منه مثل (المرتعشة) وامثالها ، وبوجود عاملين يساعدانه في ذلك ، بالإضافة إلى عمله في تأجير بعض المعدات ، فازداد ربحه المادي مع تحسن البيع والشراء في الذهب .

المرحلة الثانية من العمل:
انتقل بعد ذلك إلى مرحلة أخرى من العمل ، فأصبح يسافر إلى لبنان وسوريا حاملاً كماً من الذهب إلى هناك لصياغته ومن ثم اعادته مرة أخرى لبيعه على دكاكين الذهب في الأحساء .

ثم سافر إلى إيطاليا ، وكان من أوائل من نقل الصياغة الإيطالية إلى البلد ، ولم تدم هذه المرحلة طويلاً لصعوبة السفر والتنقل آنذاك ، ولوجود منافسين أقوياء كالرميزان وغيره من تجار الذهب المعروفين ، فأصبح موزعاً لبعض تجار الذهب في مدينتي الأحساء والدمام .

الاختبار الأول للاصرار:
بعد أن جمع رأساً من المال ، اشترى الحاج السمين مجموعة أراضٍ في مدينة الأحساء في مخطط العزيزية ، ولوجود عدد من المشاكل الرسمية على هذا المخطط ، تراجعت قيمته ، فخسر الحاج عبدالحسين هذه الصفقة العقارية خسارة كبيرة .

ولكن لم يوقفه ذلك عن مواصلة العمل ، وتعويض ما خسره من مال ، فعاد لبيع الذهب مرة أخرى ، ولكن بنقله إلى خارج المملكة وبيعه على تجار الذهب في بيروت وماحولها ، ودولة الكويت ، فعوض جزئاً كبيرا مما خسره .

تعلقه بحج بيت الله .. والتجربة الأولى:
رغم صعوبة السفر في ذلك الوقت ، وعناء الطريق ، ومع حداثة سنه التي بلغت الثمانية عشر ، فقد توجه الحاج عبدالحسين لأداء الحج الواجب وكان ذلك في عام 1373هـ .

كانت الحَجّة الأولى له برفقة الحملدار المرحوم الحاج عبدالله أحمد المهنا (العمام) (ت :1427هـ ) وكان برفقة والدته وبعض أقرباءه ، وبواسطة سيارات بدائية ، فتستغرق مدة الرحلة في ذلك الوقت المتجهة من الأحساء إلى المدينة المنورة ستة أيام ، وبعد الإقامة فيها إثني عشر يوما ، يتوجه الحجاج إلى مكة المكرمة ومن المدينة إلى مكة المكرمة ثلاثة أيام في طريق وعر مليء بالجبال ، وكانت تكلفة الحجة ثلاثمائة ريال فقط .

الشاب ذو الهمة العالية :
لقد لاحظ المرحوم عبدالله العمام ولفت نظره نشاطاً مميزاً في ذلك الشاب ذي الثامن عشرة عاماً ، وهمة عالية ، فصار يعتمد عليه في العديد من شؤون الحجاج رغم صعوبة تدبير الأمور في تلك السنوات

فحج الشاب عبدالحسين بعد حجة الإسلام ثلاث مرات متوالية في نفس الحملة ، وفي كل عام كان صاحب الحملة يعتمد عليه في تأجير سكن مكة قبل خروج الحجاج من المدينة ، حتى أبرمت شراكة بين الحاج عبدالحسين وبين المرحوم عبدالله المهنا في الحملة فكانت بداية عمله كحملدار وكان عمره قرابة الثلاثة والعشرين عاماً .

وشيئا فشيئا استقل الحاج عبدالحسين بنفسه بعد أن أتقن إدارة الحملة ، فكان يعمل في مواسم الحج حملدار ، ويتوقف عن عمل الصياغة ويتفرغ لها ، حتى أنه كان يحمل معه بعض سبائك الذهب الصغيرة ذات الخمسة أو العشرة غرامات والتي رسم عليها صورة الحرم المكي والحرم المدني ويبيعها هناك .

تأسيس حملات العمرة الرجبية:
لم يكن في تلك السنوات حملات تتوجه إلى مكة المكرمة في غير موسم الحج، إنما كان الذهاب بشكل فردي، أو جماعات قليلة جداً لاسيما في شهر رجب، وذلك لصعوبة الطريق، وعدم توفر وسائل النقل، وبعد أن لاحظ الحاج عبدالحسين عدم إقبال الناس، رغم رغبتهم الشديدة في ذلك لولا الموانع، خطر له أن يؤسس حملة تتوجه بالمؤمنين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في شهر رجب، تسهيلاً لهم، وتشجيعاً للعمل بهذا المستحب المؤكد في هذا الشهر ، فكان أول من أسس حملات العمرة الرجبية .

فأول رحلات العمرة الرجبية كان في عام 1386هـ وقد صحبه قرابة العشرة أشخاص بين رجال ونساء ، وفي العام التالي إلتحق به عدداً بلغ الأربعين شخصاً.

وفي السنة الثالثة إلتحق بالحملة عدد من علماء وخطباء الأحساء منهم المرحوم سماحة الشيخ حسين الخليفة، والشيخ محمد بن محمد المهنا ، والشيخ عبدالله بن حسين السمين، السيد حسين ابن السيد محمد السلمان، الملا ناصر النمر وغيرهم ، وبلغ عدد الملتحقين بالحملة الرجبية مائة وعشرين شخص بين رجل وامرأة .

ومنها انتشرت فكرة حملات العمرة الرجبية في الأحساء وقراها، وكان من أوائل من تفاعل من أصحاب الحملات المرحوم الحاج موسى بن الخرس، مستفيداً من فكرة الحاج عبدالحسين.

واستمر الحاج عبدالحسين لسنوات عديدة في الذهاب إلى البيت الله ومدينة النبي صلى الله عليه وآله في موسمي الحج و شهر رجب دون انقطاع حتى سنة 1407هـ ،

وفي عام 1414هـ تقريباً ، طوى الحاج عبدالحسين هذه المرحلة في مهنة إدارة الحملات، حاملاً معه تجارب طويلة في الأسفار والاختلاط بالعديد من الثقافات والجنسيات.

بعد ذلك عاد الحاج عبدالحسين إلى الصياغة ولكن في مجال صناعة السيوف الخناجر بمساعدة بعض أبناءه، كما كان يقضي وقتاً في مرزعة له ، قاضياً وقتا طويلاً بين سعفات نخيل الأحساء ، وأشجارها المثمرة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى