هل نحن حمقى؟!
ياسر بوصالح
ورد عن الإمام علي «يا بني: إياك ومصاحبة الأحمق، فإنه يريد أن ينفعك فيضرك».
حكمة بسيطة المعاني يفترض أنها لا تحتاج إلى شرح، لكنها رغم بساطتها أجدني متحيراً في بعض زواياها لذلك قلت في نفسي: إن الطريقة المُثلى في سبر غور هذه الحكمة هو تفكيك معانيها أولا؛ ومن ثم طرح الأسئلة.
إياك: في كتب اللغة لها معان متعددة فتارة ضمير منفصل، ويعتمد على ما يتصل به من ضمائر «إياي، إياك» كما هو في قوله تعالى ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لكنها في هذا السياق تعني «كن حذراً!!!»
مصاحبة: المعاشرة أو الملازمة
الأحمق: تارة تعني ناقص العقل ضعيف التصرف، الذي لا يسعفه عقله في كثير من المواقف التي تواجهه، وتارة تعني من تكون ردة فعله ومشاعره أقوى من قدرة عقله على السيطرة، كسريع الغضب مثلا، فنجد في لغتنا الدارجة أننا نعبر عن فلان بأنه «حمقي» أي كثير الغضب، وتارة تعني المُعجب برأيه ونفسه كما في الرواية الواردة عن النبي عيسى «داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه».
فقيل: يا روح الله، وما الأحمق؟
قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته».
ثم يقول الإمام «فإنه يريد أن ينفعك فيضرك» لا تحتاج إلى تفكيك، لكن جمالها في موضوعية أمير المؤمنين ، فرغم تحذيره من معاشرة الحمقى لكنه بأبي هو وأمي حفظ حقهم، ولم يسلبهم نيتهم الداخلية في إرادة النفع لمن عاشرهم وصاحبهم.
الأسئلة:
س 1 / لمن يوجه أمير المؤمنين خطابه؟
هل هو موجّه للعقلاء فقط؟ بقرينة تحذيرهم من أضدادهم الحمقى كما يُفهم من السياق؟
أم أن الخطاب موجه إلى كل الناس بكل تفاوتهم العقلي والإدراكي؟ وبالتالي يكون الخطاب تحذيري للعاقل من الأحمق!، وتحذيري للأحمق ممن هو أكثر حمقاً منه لكيلا يتجذر ويتعمق مستوى الحمق لديه، وبالتالي نستشف أن الحمق درجات!!
س 2/ في مستوى الاختيار يستطيع الحكيم أن يحذر من مصاحبة الأحمق!!، لكن كيف لو فرضت عليه المصاحبة والمعاشرة فرضاً كزميل العمل أو الجار أو رفيق السفر فهم مصداق من مصاديق الصاحب بالجنب ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [النساء: آية 36]فهل يترتب على ذلك آثار ملازمة الحمقى؟! قال الإمام الصادق «من لم يجتنب مصادقة الأحمق أوشك أن يتخلق بأخلاقه».
س 3/ يفترض أن الحكيم يعرف من تلقاء نفسه بعدم جدوى مصاحبة الأحمق!، فهل نصنف حكمة أمير المؤمنين أنها ضمن دائرة التحصين أشبه شيء بجرعة تطعيم كورونا فمهما تكن لديك مناعة عقلية تحتاج إلى تحصين حكّمية؟
س 4/ من كان أحمقاً بالفطرة ما ذنبه ليتم التحذير منه؟ وقد خلقه الله بهذه الذهنية؟
س 5/ اجتناب الأحمق هو فقط لمجرد صدور أمر أحمق منه، أم لا بد لهذا الأمر الأحمقي – إن صح التعبير – أن يتكرر ويتكرر لكي تُثبت عليه صفة الحُمق!!، أم يكفي مصادقة العقلاء والحكماء أن فلاناً أحمق؟!!
س 6/ ورد في الأثر «أحمق الناس من باع آخرته بدنياه، وأحمق منه من باع آخرته بدنيا غيره» ويوافق ذلك ما ورد عن الإمام علي ما أعرف أحدا إلا وهو أحمق فيما بينه وبين ربه» فهل نستطيع أن نقول: كلنا حمقى لكن بنسبة متفاوتة؟!!