أقلام

اللطميات

إبراهيم بوخمسين

هذه نبذة مختصرة عن اللطميات ونشأتها وتطورها، نرجو أن نكون قد وفقنا في طرحها.

نــشأتــها:

حينما يدرس المحققون والباحثون هذا الفن، يُرجعون أصله لفن الرثاء الذي عُرف في معظم الآداب العالمية، وبالأخص الأدب العربي. فمنذ عصور ما قبل الإسلام حتى العصور المتأخرة، عُرِفَ شعر الرثاء كأحد أكثر وأهم الأدبيات المطروقة في الأدب العربي. ويكاد لا يخلو ديوان من دواوين الشعراء العرب المتقدمين منه.

واللطمية لها عدة عناصر:

• أولًا: الشيلة: مفردة دارجة تطلق على المرثية التي تنشد في مواكب العزاء، وقد اشتقت من شال الشيء أي رفعه ” أي رفع الصوت بألحان غنائية دون المعازف”، وتعد الشيلة أحد أنواع الحداء وهو التغني بالشعر وتختلف عن الموال والغناء بأن الموال تكثر فيه أحرف المد، أما الغناء فيكون بالآلات الموسيقية.

• أو اللطمية: مفردة تطلق على المرثية التي تنشد، ويلطم الحاضرون على صدورهم حزنًا وتفاعلًا مع المناسبة الحزينة (مجازًا: لأن اللطم يكون على الوجه).

• ثانيًا: الرادود: مفردة دارجة تطلق على المنشد الذي يردد المراثي على اللاطمين.

• ثالثًا: الموكب الحسيني: جمع من المعزين ينضمون عادة تحت اسم مأتم ما، يشاركون فيه بعزاء آل البيت، لاطمين ومرددين القصيدة التي ينشدها عليهم الرادود.

• رابعًا: المأتم: المأتم في القاموس المحيط (الجماعة من النّاس في حزن أو فرح وغلب استعماله في الحزن على الميِّت). وقد غلب استعماله في الثقافة الشيعية على المكان التي تقام فيه مراسم العزاء ويقرأ فيها العلماء والخطباء خطبهم، وقد تستخدم مفردة المأتم عند قوم، وقد تستخدم مفردة (الحسينية) عند قوم آخرين للإشارة للمأتم.

ومنذ استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب مع إخوته وأصحابه في كربلاء سلام الله عليهم عام 61 هجري قمري، بدأ الشعراء بطرح واقعة الطف في أدبياتهم الشعرية والنثرية. وذاع صيت كثير من هؤلاء الشعراء فقط بمراثيهم للإمام الحسين، مثل: دعبل الخزاعي، والسيد الحميري، والكميت الأسدي.

ويجمع جل المحققين، أن أول من نظم قصيدة مقاربة للطريقة الحديثة في القراءة والتجمهر في موكب لرثاء الإمام الحسين بن علي عليه السلام هو الفقيه الشاعر الشريف الرضي، مؤلف كتاب نهج البلاغة. في قصيدته التي مطلعها:

كربـلا لا زلـتِ كـربًا وبلا …

ما لقى عندك آلُ المصطفى

كم على تربك لما صرّعوا …

من دمٍ سال ومن دمعٍ جرى

ودأبَ الشعراء دأبْ الشريف الرضي في نظم قصائد ينسجم سياقها الحزين للبكاء والتباكي لكي يقرؤونها في مجالسهم التي تقام في مناسبة استشهاد الإمام الحسين بن علي وأهل بيته. ومن أشهر من نظم ملحمة ذاع صيتها، هو الشيخ حسن الدمستاني صاحب الملحمة الشعرية (أحرم الحجاج) وحين كتبها كانت تعرف ” بالمربعة الدمستانية” لأن شكلها العروضي قائم على طريقة “الرباعيات” ولكنها توصف أيضًا “بملحمة كربلاء”. ومما ورد فيها:

أحرم الحجاج عن لذاتهم بعض الشهور …

وأنا الـمحـــرم عـن لـذاتـه كـل الــدهور

كيف لا أحرم دأبًا ناحرًا هـدي السـرور …

وأنا في مشعر الحزن على رزءِ الحسين

لست انساه طريدًا عن جوار المصـطفى …

لائـذًا بالـقبـة الــنــوراء يشــكـو أســــفًـا

قائلًا يا جـد رسم الصبر مـن قــلبي عفا …

بــبلاء انقـض الظهـر وأوهى المنـكبــين

وفي نهاية القرن التاسع عشر والقرن العشرين الميلاديين، بدأ هذا الفن تكتمل فيه عناصره وملامحه لكي يعد فنًا مستقلًا، وبدا واضحًا في الآونة الأخيرة أنه صارت له هيئات” أي جماعات تدير وتنظم هذه اللطميات” حتى تخرج بمقام يلائم في المحتوى والمضمون والصوت والرسالة الموجهة للجمهور.

وكما اسلفنا سابقًا أن من عناصر اللطمية: الرادود والقصيدة والحضور فإنها تتخللها لطمية باليد بالضرب على الصدر بحركة موسيقية تتلاءم مع نهاية كل بيتن من القصيدة. وتصل اللطميات إلى ذروة من النشاط الموسيقي (لحن، إيقاع، حركة) بحيث يصبح من غير الممكن تجاهلها كنشاط إنساني موسيقي فلسفي يرتكز على أثافٍ ثلاثة هي: ” الفكرة، العاطفة، الجسد”.

غير أن هناك آفات وعقبات قد تفتك باللطمية أو تحد من رسالتها يجب تلافيها والحذر منها:

– أن تكون القصيدة بعيدة عن العبارات المبالغة فيها والغلو في مفرداتها.

– أن لا يكون الغرض منها مردود اقتصادي بحت.

– عدم الاتساع في موضوعات القصائد العزائية (اللطميات)، ولو اقتصرنا على ذكر مصيبة الحسين وأهل البيت- عليهم السلام.

– أن لا تتضمن كلمات تبعث على العنصرية أو الإساءة.

وتنوعت اللطميات ما بين الطريقة البحرانية بلطمة واحدة. وهناك الطريقة العراقية وفيها أنواع كثيرة كاللطم الكربلائي والنجفي وغيره، ولطمة الهوسة وقد قلت نوعًا ما، وهذه الطريقة يبدأ اللطم المتواصل حتى نهاية التهويسة. وهناك أيضًا الطريقة الفارسية وهذه تستخدم بإيران وباكستان والهند وتركيا وبعض دول آسيا. كل ذلك ساعد على بروز رواديد وأصوات ساحرة وآسرة مما ألهب مشاعر الناس وأضاف على الملحمة الحسينية زخمًا وعطاءً. ولا تزال الساحة قابلة لبروز منشدين وأطوار جديدة من اللطميات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى