استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
المترجم: عدنان احمد الحاجي
معهد ماكغفرن لأبحاث الدماغ
بعض الناس، وخاصة أولئك العاملين في الخدمات العامة، يقومون بأعمال جليلة وبطولية ومثيرة للإعجاب: خذ مثلًا العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يبذلون الوسع من أجل إنقاذ المرضى من الموت أو المستجيبين الأوائل الذين يصلون إلى أماكن وقوع الحوادث المرورية. لكن العبء العاطفي (العبء الإنفعالي)(1) قد يصبح عبئا عقليًا (عبئًا نفسيًا)(2). أثبتت الدراسات أن موظفي الطوارئ معرضون بشكل كبير لخطر اضطرابات الصحة العقلية، مثل اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسية(3). كيف يمكن للناس أن يمروا بمثل هذه التجارب المجهدة ويبقون أيضًا محافظين على رفاهيتهم 4))؟
كشفت دراسة جديدة(5) أجراها معهد ماكغفرن McGovern لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن الاستراتيجية المعرفية (الإدراكية cognitive) التي تركز على الصالح الاجتماعي العام (أو اختصارًا، الصالح العام) (6) قد تكون فعالة في مساعدة الناس على التعامل مع الأحداث الصادمة والمؤلمة نفسيًا. ووجد فريق البحث أن هذه المقاربة يمكن مقارنتها باستراتيجية أخرى معروفة تمامًا لتنظيم المشاعر(7)، مما يفتح المجال لأداة جديدة للتعامل مع المواقف بالغة الصعوبة.
يقول جون جابرييلي John Gabrieli، أستاذ علوم الصحة والتكنولوجيا وأستاذ علوم الدماغ والعلوم المعرفية (الإدراكية) في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو أحد كبار مؤلفي الورقة: “طريقة تفكير الشخص يمكن أن تحسن من مشاعره.” هذه الدراسة تفيد بأن العمل من أجل الصالح العام قد يكون مفيدًا بشكل خاص في تحسين رفاهية(4) أولئك الذين يتعرضون باستمرار لأحداث مرهقة ومجهدة من الناحية النفسية.”
الدراسة(6)، التي نشرت في دورية PLOS ONE، هي الأولى التي تناولت فعالية هذه الاستراتيجية المعرفية (الإدراكية). ونانسي تساي Nancy Tsai، الباحث ما بعد الدكتوراه في مختبر غابرييلي في معهد ماكغفرن، هي المؤلف الرئيس لهذه الورقة.
أدوات تنظيم المشاعر
تنظيم المشاعر(7) هو القدرة على إعادة صياغة الأسلوب الذي نحس به بعواطفنا وانفعالاتنا، وهي مهارة بالغة الأهمية للحفاظ على صحة نفسية(8) جيدة. تنظيم المشاعر يمكن أن يجعل المرء يشعر بالتحسن عند التعامل مع الأحداث الصادمة والمؤلمة،نفسيًا، وقد ثبت أن تنظيم المشاعر يعزز المخرجات الإنفعالية والاجتماعية والمعرفية (الادراكية) والفسيولوجية طوال الحياة.
إحدى استراتيجيات تنظيم المشاعر هي “الإستبعاد الإجتماعي (تجنب التعامل)”، حيث يتعامل الشخص مع حدث سلبي من خلال تخيله على أن هذا الحدث وقع بعيدًا عنه، أو حدث من زمن طويل، أو من منظور شخص ثالث [أي لا يتعامل معه على أنه معني بالحدث]. الإستبعاد الاجتماعي استراتيجية جيدة كأداة معرفية (إدراكية) نافعة، لكنه قد يكون غير فعال في مواقف وحالات معينة، خاصة تلك التي تنطوي على مسؤليات اجتماعية – كرجل الإطفاء ينقذ عائلة من منزل يحترق. وبدلاً من إبعاد نفسه، فقد يضطر الشخص بدلاً من ذلك، إلى التعامل بشكل مباشر مع الموقف أو الحالة.
تقول تساي: “في هذه الحالات، قد تكون مقاربة العمل من أجل “الصالح العام” بديلا ناجعًا”. “عندما يتبنى مقاربة العمل من أجل الصالح العام، فإنه ينظر إلى الحالة السلبية أو الوضع السلبي باعتباره فرصة لمساعدة الآخرين أو منع المزيد من الضرر.” على سبيل المثال، قد يركز رجل الإطفاء الذي يعاني من ضائقة نفسية على حقيقة أن عمله يمكّنه من إنقاذ أرواح. الفكرة لم تكن بعد مدعومة بأدلة علمية، لذلك رأت تساي وفريقها، بالتعاون مع غابرييلي، فرصة لتناول هذه الاستراتيجية بالدراسة بشيء من الدقة.
دراسة فريدة
قام الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بطلب من مجموعة من الراشدين (20 سنة وأكبر، بحسب التعريف) إكمال استبيان لجمع المعلومات بما في ذلك الخصائص السكانية(9) والسمات الشخصية(10) والرفاهية(4) الحالية، بالإضافة إلى أساليب تنظيم مشاعرهم والتعامل مع التوتر (لضغوط النفسية)(11) . قُسمت المجموعة بشكل عشوائي إلى مجموعتين: مجموعة تمارس استراتيجية الإستبعاد (التجنب) ومجموعة تهتم بالعمل من أجل الصالح العام. في الدراسة التي جرت على الإنترنت، عُرضت على كل مجموعة سلسلة من الصور كانت إما محايدة (فاكهة) أو فيها محتوى منفِّر جدًا (إصابة جسدية). تم إعلام المشاركين بشكل تام بأنواع الصور التي قد يرونها ولهم الخيار في إلغاء الاشتراك في الدراسة في أي وقت إذا ما رغبوا في ذلك.
طُلب من كل مجموعة استخدام الإستراتيجية المعرفية (الإدراكية) (استراتيجية الاستبعاد) المخصصة لها للاستجابة لـ نصف الصور السلبية. على سبيل المثال، أثناء النظر إلى صورة مؤلمة، يمكن لأي شخص في المجموعة التي تستخدم استراتجية الاستبعاد (التجنب) أن يتخيل أنها كانت لقطة مأخوذة من أحد الأفلام، وبالعكس، ربما استجاب أحد الأشخاص في مجموعة العمل من أجل الصالح العام للصورة من خلال تصور أنه كان المستجيب الأول لإنقاذ أشخاص من ضرر. بالنسبة للنصف الآخر من الصور السلبية، طُلب من المشاركين النظر إليها فقط وإيلاء اهتمام وثيق بمشاعرهم (انفعالاتهم). سأل الباحثون المشاركين عن شعورهم بعد عرض كل صورة.
الصالح العام كاستراتيجية فعالة
وجد فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن استراتيجيتي الاستبعاد والعمل من أجل الصالح العام ساعدتا في الحد من المشاعر السلبية. أفاد المشاركون بأن شعورهم قد تحسن عندما استخدموا هاتين الاستراتيجيتين بعد مشاهدة الصور ذات المحتوى المؤلم نفسيًا مقارنة بالحالة التي لم يشاهدوا فيها هذه الصور المؤلمة نفسيًا، وذكروا أن كلتا الاستراتيجيتين كانتا سهلتي التنفيذ
وكشفت النتائج أيضًا أن الاستبعاد بشكل عام أدى إلى تأثير أقوى. ولكن الأهم من ذلك، أن تساي وغابرييلي يعتقدان أن هذه الدراسة تقدم أدلة دامغة على أن استخدام استراتيجية العمل من أجل الصالح العام وسيلة قوية مناسبة أفضل للمواقف والحالات التي لا يستطيع فيها الناس إبعاد أنفسهم عن المواقف الاجتماعية، كإنقاذ شخص من حادث مروري، “وهي حالة محتملة جدًا بالنسبة للواقع المعاش،” كما تلاحظ تساي. علاوة على ذلك، اكتشف الفريق أن الذين استخدموا استراتيجية الصالح العام بنجاح كانوا أكثر احتمالًا لاعتبار التوتر النفسي معززًا (مقويًا) لا موهنًا. تقول تساي إن هذا الربط قد يشير إلى أن الآليات النفسية هي التي تكمن وراء تنظيم المشاعر وأسلوب استجابة الناس للتوتر النفسي.
بالإضافة إلى ذلك، بينت النتائج أن كبار السن استخدموا الاستراتيجيات المعرفية (الإدراكية) بشكل أكثر فعالية من الشباب. ويعتقد الفريق أن هذا ربما يرجع إلى أن كبار السن، كما بينت الأبحاث السابقة، أكثر مهارة في تنظيم مشاعزهم، ويرجع ذلك على الأرجح إلى وجود تجارب حياتية أكثر. ويفيد الباحثون إلى أن تنظيم المشاعر الناجح يتطلب أيضًا مرونة إدراكية أو وجود ذهنية مرنة للتكيف بشكل جيد مع المواقف المختلفة.
يقول غابرييلي: “هذا لا يعني أنه على الناس، كالأطباء، أن يعيدوا صياغة مشاعرهم إلى نقطة يتحررون فيها تمامًا من المواقف والحالات السلبية”. “لكن دراستنا تثبت أن استراتيجية العمل من أجل الصالح العام قد تكون فعالة لمواجهة المتطلبات العاطفية (الانفعالية)(13 ،12) الهائلة لبعض المهن.”
يقول فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن هناك حاجة لدراسات مستقبلية لمزيد من التحقق من صحة نتائج هذه الدراسة، وأن مثل نتائج هذه الدراسة واعدة لأنها قد تكشف عن أدوات معرفية (إدراكية) جديدة لتساعد الأفراد على العناية بأنفسهم وهم يواجهون بشجاعة الصعوبات المتمثلة في تقديم الرعاية للآخرين.
تعريف: التوتر العاطفي emotional stress وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية (APA) نوع من التوتر النفسي الذي يسبب استجابة شديدة وسلبية للتوتر عندما يتعرض شخص لمشاعر سلبية، كالقلق أو الخوف أو الإحباط أو الخطر أو الحزن. لو تُرك التوتر العاطفي دون علاج ، فقد يكون ضارًا، مما يجعل الاسترخاء والحفاظ على علاقات صحية والقيام بالمهام اليومية أمورًا صعبة .” ترجمناه ببعض التصرف من نص ورد على هذا العنوان
https://www.talkspace.com/blog/emotional-stress/
مصادر من داخل وخارج النص
1- https://ar.wikipedia.org/wiki/عبء_عاطفي
2- “العبء العقلي (العبء النفسي) mental load:هو الجهد الذهني الذي ينطوي على إدارة العمل والعلاقات الإجتماعية والعائلية. العبء العقلي هو مجموعة التفاصيل التي يديرها الفرد طوال اليوم والتي تتعلق بمسؤولياته، سواء أكانت رسمية أم لم تكن، بالإضافة إلى القرارات التي يتعين عليه اتخاذها.” رجمناه من نص ورد على هذا العنوان:
https://www.betterup.com/blog/mental-load
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/اضطراب_الكرب_التالي_للصدمة_النفسية
4- https://ar.wikipedia.org/wiki/رفاه
5- https://journals.plos.org/plosone/article?
id=10.1371/journal.pone.0305756
6- https://ar.wikipedia.org/wiki/صالح_عام
7- https://ar.wikipedia.org/wiki/تنظيم_انفعالي_ذاتي
8- https://ar.wikipedia.org/wiki/صحة_نفسية
9- https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_السكان
10- https://ar.wikipedia.org/wiki/عناصر_الشخصية_الخمسة
11- https://ar.wikipedia.org/wiki/توتر_(علم_نفس)
12- “الأدوار التي تتطلب جهدًا عاطفيًا تحتاج عادةً إلى التفاعل وجهًا لوجه (بشكل حضوري) أو تبادل الحديث مع آخرين. فيها، قد يُتوقع من الشخص اثارة مشاعر ايجابية،لدى شخص آخر. ويُتوقع منه أيضًا إبداء مشاعر إيجابية وكبت مشاعره الحقيقية [إن كانت سلبية]، وهو ما يُعرف باسم العمل العاطفي emotional labor [أي أدارة المشاعر والانفعالات وضبطها في تعامله مع آخرين في مكان العمل ومنهم العملاء والزملاء ورؤساء العمل(13) ].
https://www.astrazeneca.com/content/dam/az/PDF/2020/covid-19-toolkit/Working_in_an_Emotionally_Demanding_Role.pdf
13- https://www.meemapps.com/term/emotional-labor
المصدر الرئيس
https://news.mit.edu/2024/new-strategy-cope-emotional-stress-0708