أقلام

عقد القِرآن الخرساني قد لا يدوم طويلاً

د. علي القضيب

قد يبتلى المرء في أسرته لا سمح الله فتحدث مشاكل بين الزوجين يترتب على إثرها الانفصال والخيار متاح، إما ان تتدخل جهة أخرى من المتطوعين الاخيار أو الاقرباء لدراسة الخلاف والوصول لحل يرضي الطرفين وإلا قد تتجه الأمور للنهاية الحتمية وهو الانفصال وقد يكون الانفصال هو الحل.

هذا النوع من المشاهد التي تحدث وسط الاسر قد تحدث للأسرة “الخرسانية المسلحة” المنحدرة من أبوين عقيمين وهما الاسمنت والحديد تم التزاوج بينهما وعقد قرآن بينهما برضى الطرفين. هذه الاسرة ذات الطابع الخرساني المسلح قد تصادفها نفس المشكلة التي تقع فيها بعض الأسر.

ولكن كي يكتب لهذه الاسرة البقاء والديمومة، على كل طرف الالتزام بتأدية الحقوق والواجبات المناطة به كان زوجاً او زوجة، كان ذكراً او انثى. ولكن قد يحدث خصام وخلاف ويذهب العقد المبرم ادراج الرياح. نحن الآن نتحدث عن الخرسانة المسلحة والخلاف القائم بين الخرسانة وحديد التسليح نتيجة تنصل أحدهما عن مسؤوليته اتجاه الآخر. فمثلا لو تخلت الخرسانة عن واجبها في الدفاع عن حديد التسليح وحمايته، كعدم إكساء الحديد بغطاء كافي يحميه من التعرض للرطوبة والاكسجين فأن مناعته تضعف ومقاومته تقل ويكون عرضة لمهاجمة العناصر والغازات المنبعثة في الجو والغير مرغوب فيها، حينها تنشأ حرب شعواء تأكل حديد التسليح مخلفة ورائها الصدأ وتطال الخرسانة أيضا متمثلة في الشروخ. هنا تصدر صفارات الإنذار طالبة النجدة، والحل هو الإصلاح الخرساني المستديم. كل هذه التبعات حدثت لان الخرسانة أخلت بشروط العقد وتنحت عن القيام بواجبها، وما نرى من صدأ في غالبية المباني ما هو في معظم الأحيان الا نتيجة انتفاء الحماية اللازمة للحديد من الخرسانة بسبب قلة جودة الخرسانة واحتوائها على النفاذة العالية.

أما اذا اصابك الفضول واردت ان تعرف عن ماهية شروط ” عقد القرآن الخرساني ” و البنود المدرجة فهي كثيرة ولكن فقط دعني اضع امامك فقط أمران: البند الأول هو أن تتحمل الخرسانة الدفاع عن الحديد و حمايته من مهاجمة الكلوريدات والشوائب الضارة التي تفتك بالحديد من خلال الغطاء الخرساني الذي يحيط بالحديد و تزويد الحديد بالقلوية اللازمة على سطحه و التي تعد خط الدفاع الأول ضد صدأ الحديد. ولكن بالمقابل يشترط أن يقوم الحديد بتوفير قوة الشد اللازمة لامتصاص الاحمال الباعثة للشد والتي تعجز الخرسانة عن ادائها. لان الخرسانة بارعة في التصدي لقوى الضغط بينما تتراجع عندما ينتهي الامر بها لقوى الشد.

وكما أن الفتن قد تفتك بالأسرة من الداخل أو الخارج كتلك المشاكل الداخلية التي تحدث بين الزوجين والأبناء او الخارجية منها بسبب الوشاة، وأصدقاء السوء ،والغيرة والحسد. فالخرسانة المسلحة لا تشذ عن هذه القاعدة فمرة يكون تدهورها بسبب عوامل داخلية ومرة تنطوي على عوامل خارجية

فقد يتدهور المبنى أي الخرسانة المسلحة داخليا، بسبب ارتفاع نسبة الكلوريدات والشوائب الموجودة داخل الخرسانة اثناء تصنيع الخرسانة نفسها سواء كان الامر يتعلق بماء الخرسانة أو الرمل المستخدم أو في الركام (الحصى) او حتى الاسمنت المستخدم نفسه، ولكن هذا بشكل نادر. و قد يكون التدهور خارجيا قادماً من البيئة و الأجواء المحيطة مثل الكلوريدات و الكربنة (ثاني أكسيد الكربون) الموجودة في الجو و التي تتغلل الى عمق الخرسانة عن طريق المسامات الموجودة في الخرسانة لتصل الى حديد التسليح و تهاجم الطبقة القلوية المحيطة بالحديد و تضعف مناعتها و تبدأ حرباً ضروس منتهية بأشلاء متمثلة في صدأ الحديد والذي يطلق عليه احياناً سرطان الخرسانة.

إذا للتخلص والتصدي لهذه المشكلة نحتاج واحدة من اثنتين إما أن نبدأ في عملية الإصلاح الخرساني فور حدوثه وهذا يجب ان ينظر اليه على انها حالة طارئة و البدء في تجميع الضحايا (المتمثل في الصدأ) بطريقة علمية فتنظيف و تعقيم الجرح أي الحديد الذي انتابه الصدى ومن ثم لتأكد من التصاق المادة الاسمنتية الجديدة ( عوض عن الخرسانة القديمة) بالحديد والعمل معها كوحدة واحدة وإما أخذ منحى آخر متعلق بما يعرف ب – الوقاية خير من العلاج – و ذلك من البداية حيث يتم تزويد الخرسانة بالمكملات الغذائية ( محسنات و مميعات الخرسانة) اثناء تصميم الخرسانة حتى تكون جديرة في عملها و كفؤه لحماية حديد التسليح وهذا (قد نتطرق اليه في مقالا آخر). وعلى فكرة شركات الخرسانة الجاهزة تعي هذه النقطة أهمية بالغة وأصبح شبه عمل روتيني وفقاً لكود البناء السعودي.

الخلاصة لكي تتوفر عندنا خرسانة مسلحة ذو ديمومة عالية وبناء مستدام نحتاج الى ضمانات للعمل المشترك بين حديد التسليح والخرسانة لقيام كلا منهما بالواجبات والمسؤوليات المناطة به وهذا لا يتأتى الا من خلال مراقبة وضمان الجودة للخرسانة والحديد قبل الصب واثناء الصب و بعد الانتهاء من الصب وهذا يقع في نطاق مسؤوليات المكتب المصمم والمقاول و المشرف و المالك (وهذا بالإمكان تغطيته في مقال مستقل).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى