بشائر المجتمع

(فراغ مكتظ) في نادي أصدقاء السرد بالأحساء

بشائر: الدمام

عمران: نجح الكاتب في توريط القارئ ذهنيًا

العليو: رواية ممتلئة بالعدوانية والمواجهة والاتهامات.

الملاك: أهم ما يميز الرواية هو صناعة الشخصية.

وضع نادي أصدقاء السرد بالأحساء ضمن برنامجه الشهري رواية (فراغ مكتظ) للأديب إبراهيم مضواح الألمعي على طاولة القراءة النقد الأدبي، وأشارت المداخلات إلى أن الرواية مبنية على الصراعات الإيديولوجية، والمجادلات الفكرية، ونجح الكاتب في نقل مشهد الصراع بين تيارين يتصارعان لفرض أفكارهما على المجتمع وأكد المشاركون نجاح الكاتب في تبني الحيادية، ونقل المشهد التصارعي من منصة المبدع.

علق الروائي جعفر عمران على فراغ مكتظ:

” تجري أحداث رواية “فراغ مكتظ” خلال تسعة أيام من 2-10 يوليو 2006. هي اليوميات التي كان يكتبها الراوي العليم هزاع.

تبدأ الرواية في طرح الصراع بين شخصية الشيخ نبهان المتشدد الديني وبين الليبرالي د. علام، من خلال شخصية الصحفي والمذيع التلفزيوني هزاع الذي يرغب في إجراء مناظرة تلفزيونية بينهما كي يحقق له شهرة إعلامية وربما يحظى ـ مستقبلاً ـ بفرصة مع قناة أخرى ويسهم ذلك في زيادة مرتبه الشهري.

يستمر الراوي هزاع في التحضير لتلك المناظرة من خلال الرجوع إلى ماضي وأرشيف كل شخصية، ويظهر على السطح الشخصيات المحيطة بالشيخ نبهان والشخصيات التي ترافق عزام في شقة يجتمعون فيها وبينهم هزاع الذي من خلال لقاءات الشقة نتعرف على الليبرالي علام وعلى حياته اليومية بشكل أفضل.” ويضيف عمران:

” تمضي الرواية في لغة تقريرية نتعرف من خلالها على كيفية العمل الإعلامي وطريقة التحضير لمناظرة تلفزيونية بين نقيضين وتأثير المقالات الصحفية في المجتمع. لغة تقريرية ولكنها مملة، حتى أنك تتساءل هل ستمضي الرواية على هذه الوتيرة؟ وربما يتسرب إليك قرار بالتوقف عن المضي في القراءة أو القفز إلى الفصول قبل الأخيرة، حيث نجح الراوي في التشويق والحبكة ومعرفة ما سيجري، ولكن التكرار في الفصول الأولى كان مملًا، إلا أن الراوي ينقذ القارئ من هذا الشعور ويورطه في صلب الرواية بدءً من الصفحة 53 حين نتعرف على الهم الداخلي والحياة الخفية لشخصية هزاع حين يعود إلى شقته متعبًا منهكاً فيعانده النوم فيروح يبدأ في الكتابة اليومية ومنها يبدأ السرد لعبته ويتورط القارئ مع هزاع حين يتعرف على ماضيه المؤلم ويبدأ في التعاطف معه وهكذا يقبض الكاتب على القارئ ويجبره إلى المضي في قراءة الرواية والرغبة في معرفة أحداثها، إلا أن الرواية تعود بين صفحات وأخرى للغة التقريرية والصحفية، ولكن بتسارع الأحداث والكشف عن شخصيات أخرى التي من خلالها نتعرف على شخصيتي نبهان وعلام وما خفي من حياتهما من خلال علاقة كل منهما بزوجته وأصدقائه، ليسقط عنهما الشخصية المثالية حتى تبدو أنها شخصية عادية ولئيمة وظالمة ومن دون مبادئ.

تمضي الأحداث إلى حين لقاء نبهان وعلام في مكتب القناة للتحضير لبدء المناظرة التي هي الفاصل الحقيقي لحياة هزاع والتي من خلال نتائجها ستبدأ حياة هزاع أو سيفشل. هزاع يدعوهما للتوجه إلى الاستوديو لبدء المناظرة التي ستكون على الهواء مباشرة. ثم تنتهي الرواية لنقرأ في الفصل الأخيرة كلمة واحدة هي كلمة (بدأت).” ثم يعلق عم عمران على خاتمة الرواية بقوله:

“الخاتمة غير متوقعة وذكية وتترك القارئ في أسئلته وفي شوقه لمعرفة ما سيجري إلا أن الكاتب ينجح في توريط القارئ ذهنياً وستبدأ مخيلته في توقع ماذا سيحدث…

تُحسب للرواية أنها لم تمجّد شخصية، بل هي تعرية لأغلب الشخصيات التي تظهر على السطح وكأنها مثالية أو قائدة أو بريئة، بما فيها الراوي نفسه هزاع، بالإضافة إلى الحبكة الدرامية الرائعة التي راحت شيئًا فشيئًا تكشف عن الأحداث وتُظهر الشخصيات على مسرح الأحداث بعد أن كان مهّد لها في ثنايا الرواية من دون استعجال في الكشف عنها ليكتمل بذلك عنصرا التشويق والحبكة الروائية.”

وقدم القاص أحمد طاهر العليو قراءة للصراع في رواية “فراغ مكتظ” جاء فيها:

“رواية “فراغ مكتظ” للأديب إبراهيم مضواح الألمعي رواية صراع وتضاد. عنوانها يتكون من كلمتين نكرتين متضادتين:

الأولى فراغ وتعني: المكان الخالي من أية مادة.

والثانية مكتظ تعني: الممتلئ بالازدحام.

هذه الثنائية في العنوان ينكشف مدلولها أثناء الرواية حيث التضاد سمة من سمات الرواية التي تتبلور في الصراع بين شخصيتين رئيستين، وهما الدكتور علّام الشخصية الليبرالية، والشخصية الأخرى هي الشيخ نبهان الشخصية الإسلامية.

وتضاف إليهما شخصية ثالثة وهي هزاع الإعلامي الذي يمثل حلقة الوصل بين نبهان وعزام، ويحاول جمعهما في مناظرة تلفزيونية. الرواية تكشف الزيف والخداع التي تمارسها الشخصيات من خلف أقوال وسلوكيات براقة لامعة، وتصور الصراع بين فئتين في فترة زمنية محددة بالتاريخ تعرض من خلال سطورها الانتقادات التي يحملها كلّ طرف نحو الآخر. رواية ممتلئة بالعدوانية والمواجهة والاتهامات، وكل طرف يستخدم أسلحته ومنبره الخاص ووسائله ليسقط قيمة الآخر لدى المجتمع، ويقنعهم بنقائض ورذائل الآخر. ولا تكتفي فراغ مكتظ بما يجري على السطح، فهي تذهب بسردها ووصفها باتجاه حياة الشخصية الرئيسة الخاصة، فتكشف لنا أحوال علام ونبهان والعلاقة مع زوجتيهما، فتدخل إلى البيت وتعري هذه الشخصيات من المثاليات والزيف. ” ويضيف العليو:

” تسرد الرواية من خلال ضمير الغائب العليم، وتترك مساحة لشخصية هزاع الذي يعود إلى سرد طفولته ونسمع صوته ومشاعره حينما يروي لنا طفولته وحياته في قرية الحزناء وتفاصيل موت أمه وعلاقته بأبيه والمرأة التي أحبها.

الشخصيات الثلاثة أسماؤها لها دلالتها، فنبهان هو الرجل الذكي الفطن، وعلام يدل على كثرة العلم، وهزاع الأسد الكثير الافتراس، تتصارع فيما بينها، وكل شخصية لها أهدافها ورغباتها والوصول إلى قمة المجتمع، ولا يكون ذلك سوى بإسقاط الطرف الآخر، الدكتور عزام شخصية ليبرالية تهدف إلى هدم وتقويض أفكار الإسلاميين ورمزها الشيخ نبهان، وكذلك يفعل الشيخ نبهان في تهوين آراء الليبراليين متمثلة في الدكتور عزام، ولكل طرف جمهوره الذي يؤيده، لكن هل كان الصراع هو صراع أفكار ومعتقدات؟ ما يبرز من حوار وسرد يكشف أن تلك الشخصيات تخبئ في داخلها أهدافا وتبرز المطامح الذاتية.

شخصية الشيخ نبهان تستغل كل الظروف” أما هو فينظر إلى زواج المسيار بعيني تاجر يحصل على كل ما يريد بأقل كلفة”. وكذلك شخصية الدكتور عزام الذي يستغل حب زوجته في الوصول إلى الشهادات العليا، فهي تستغل الصراع بين الطرفين لتفوز ببرنامج تلفازي مثير يجلب له الشهرة والقوة الإعلامية.

لا يمكن في الرواية أن تنسى قوة المال وقدرته الفائقة في السيطرة على الوضع الاجتماعي والديني والإعلامي في هذا المكان، فهو المحرك الرئيس للشخصية والعامل المؤثر “تثير هذه الردود حنق هزاع، وتكشف له زيف المبادئ التي يدعيها الطرفان” ص 42.

تتعدد الأمكنة في الرواية فالشقة المكان المختفي الموازي للمثاليات، حيث هناك تبرز الشخصيات على طبيعتها، فتعيش الحرية وتعيش الفوضى والبعد عن الالتزامات والقوانين الاجتماعية والتي تكشف عن الفوضى وعدم التنظيم، بينما في المقابل مكتب الشيخ نبهان الذي يسوده التنظيم والترتيب. يبرز البحر في الرواية كمكان تتنفس فيه الشخصية الحرية والانفتاح على الذات.

زمن الرواية يتكون من ستة أيام محددة بالتاريخ، ويتخللها عودة واستخدام تقنية الاسترجاع خاصة مع الشخصية هزاع واسمه يشمل على سخرية وتضاد، هزاع الاسم الحقيقي يلقب بـ ابن النملة، وحينما يعود إلى زمن طفولته ونشأته مع أمه ووالده، وقصته مع حبيبته حليمة، يعود إلى الماضي بذاكرة مثخنة بالوجع والشك والحيرة حيث كان منشأ اهتزاز شخصية هزاع ومرضه النفسي الذي كشفه عند الطبيب النفسي.

شخصية هزاع هي الشخصية التي أضافت للرواية الصور الإنسانية الأشد عمقا، وأضاف على الرواية العاطفة والأحاسيس والمشاعر، وقد لجأ هزاع إلى الكتابة للتعبير عن معاناتها وألمها وما لاقته من ألم وصراع. وقد تنازعه مرض وتردد بين قطبي الصراع الرقية والنفث الذي يقوم به الشيخ نبهان، والعلاج العلمي من خلال الطبيب النفسي الذي دله عليه عزام. حياة هزاع جاذبة للقارئ وحينما تسرد أحداثها فهي ممتلئة بالوجع والألم، وتلجأ إلى البحر وتعود إلى القرية وتصور العلاقة مع الأم والأب وحبيبته حليمة ومكان الطفولة، وهنا تكمن بؤرة الرواية وقيمتها وعمقها. لا يمكن أن نغفل دور الحوار الذي أدى عدة وظائف، وإحداها تعرية الشخصيات وسلوكياتها، وتصوير حجم الصراع بين الطرفين، وتكشف عن الآراء المتداولة بين الطرفين. رواية حافلة بالثنائيات المتضادة والصراع والتحدي، ولا يخفى استغلال الكاتب لموعد مباراة نهائي كأس العالم 2006 ين إيطاليا وفرنسا، فالأولى ترمز بأنها حاضنة الفاتيكان، والثانية ترمز للتنوير.”

ويرى الكاتب حسين الملاك أن الرواية تقيم بنيانها على حدث جدلي يمثل ثيمة الصراع المتخيل في حقبة زمنية محددة، ويقول:

“الصراع بين فكرين كل منهما يرى في نفسه الصوابية المطلقة.

ولكن هذا الصراع ماهو الا قشرة تتمظهر بتلك الصيغة وعند الغوري عميقا سنجد زيف الإيمان بالمبادئ وتناقض السلوكيات معها والبحث عن مبررات واهية للتمترس حولها.

تغوص الرواية عميقًا لما وراء الحدث لتعريف الشخصيات وتكشف عن مكنونها وكيف تشكلت وكيف ساهم الماضي بما يحمله من مصادفات في تشكيل وعيها وقلقها وكيف انعكس كل ذلك على حياتها الراهنة.

يبدو لي أن الروائي حمل فكرة ان ذلك الضجيج المتخيل في الصراع بين تيارين متطرفين في نزعتهما الراديكالية ما هو إلا فراغ مكتظ.

بعيدا عن واقعية الحياة ومتطلباتها وشموليتها.

وان تلك الصراعات المتخيل ماهي إلا انحيازات غير بريئة لمصالح ذاتية تحقق مكاسب آنية بعيدا عن سمو الفكرة.

وأهم ما يميز الرواية هو صناعة الشخصية فشخصياتها صنعت بعناية فائقة تمكنت من رصد ملامحها النفسية والجسدية الروحية والعاطفية وكيف ساهم كل ذلك في تشكل الحدث ونموها وتطوره.”

جدير بالذكر أن أصدقاء السرد أحد أندية (منصة هاوي) الذي يهتم بالرواية والقصة وما يتعلق بهما من دراسات وأدب. ويقيم أعضاؤه في الأحساء ويمدون أيديهم للسرد سعوديًا وعربيًا وعالميًا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى