عرش البيان يستضيف الـ (جدل) في ندوة ثقافية
رباب النمر: الدمام
استضاف نادي سيهات الأدبي عرش البيان في مقره مؤسس مكتبة جدل الأستاذ علي آل حرز في أمسية أدبية ثقافية الأسبوع الماضي، وقد تحدث آل حرز عن سيرته وتجربته في مكتبة جدل، وما تحويه من كنوز ثقافية وعلمية وأدبية وإعلامية وتاريخية تخدم مختلف الأجيال في المنطقة وقاصديها من مختلف أنحاء الوطن وبعض الدول المجاورة.
وكان آل حرز منذ طفولته شغوفًا بالقراءة حين اقتنى سيرة عنترة ذات الأجزاء الثمانية وعمره لم يتجاوز الرابعة عشرة، وبدايات تأسيسه المكتبة كانت عام ١٩٧٤م، مقتصرة على الملاحم العربية التي نقلته إلى عوالم أخرى كالأدب، خصوصًا عندما اقتنى كتاب «جواهر الأدب» للكاتب المصري أحمد الهاشمي. كانت بدايته مع كُتب الملاحم والسير وكُتب التراث خصوصًا الأدبي منها وكُتب التاريخ. ومن هواياته المفضلة: البحث عن كل ما هو قديم في طبعاته الأصلية الأولى والذي تجاوز القرن في بعض طبعاته.
حيث حوَّل آل حرز منزله لمكتبة ثقافية ذات قيمة وقامة في الأوساط الأدبية والمعرفية أطلق عليها اسم “جدل”، وتضم وثائق متعددة، ويتنقل زائروها بين الحاضر والماضي والتراث، عبر مخطوطات وصحف وعملات وأدوات متعددة، سجَّلَت جزءًا مهمًا من تاريخ السعودية وحضارتها. مكتبة “جدل” تحفز على المطالعة وفيها آلاف الكتب المختلفة في الأدب والشعر والرواية وغيرها، وهي مكتبة تعنى بالمثقفين من رواد المطالعة والتصفح بهدف جذب الناس للقراءة، وأصبحت مقصدًا للباحثين والأكاديميين وملتقى النخب والطلبة.
وتشكل “جدل” بقاعاتها الثلاث قاعة أرسطو، وقاعة أفلاطون، وقاعة سقراط المركزية واحة للمعلومات والمعرفة بمقتنياتها المتميزة من عصور سابقة، لاحتوائها على آلاف الرسائل العلمية، إضافة إلى المخطوطات القديمة والبرديات التي تعود للقرن الرابع الهجري.
وفي مقدمة حديثه في الأمسية، تَشَبَهَ بـ قيس بن الملوح وليلاه والصورة في معناها أن ليلاه هي (حبرٌ وورق) اللذان لازماه منذ نصف قرن خلا، كناية عن عشقه وشغفه بالمطالعة والقراءة حتى تكونت هذه المكتبة العريقة.
ويخبرنا أن مكتبته تتضمن أكثر من 35 ألف كتاب، وبلغت شهرتها الملأ، ويعد لنا بالنكتة أنه صار يغار منها حيث بدت اليوم أشهر منه.
وتحدث آل حرز عن غريزة المعرفة وحب الاستطلاع حيث لا تقل أهمية عن الغرائز الإنسانية الأخرى وقد تصاب بالضمور إن لم يتابع صاحبها البحث والقراءة.
ويستدل آل حرز في قراءاته ختامًا بكتاب (كن مهوسًا .. أو كن مرؤوسًا) للكاتب غراند كاردون .. ويضيف: كن في المتن ولا تكن في الهامش، كن الأول ولا تكن الثاني؛ كن في القمة ولا تكن في السفح، إياك أن تحيل عجزك على الظروف.
حذارِ أن تستسلم للكسل؛ الإنسان صنيعة نفسه: هو من يخط سِفر مجده أو تخلفه.
وفي مداخلة له، أشاد عبدالفتاح الدبيس بالضيف ومخزنه الثقافي ومكتبته الذائع صيتها، وغوصه في المعرفة والنهل منها، وأن الحضارات الإنسانية تقاس بمدى حفاظها على الموروث الثقافي بشقيها المادي (كالآثار الحضارية) وغير المادي مثل ما يوجد في (جدل ومثيلاتها) ورجال شامخون أمثال أبي كفاح المحافظون على موروثنا الثقافي.
من جهته، وجه السيد عدنان الموسوي استفساره للضيف عن أسلوبه في تصنيف مكتبته “جدل” وشرح آل حرز أن له أسلوبًا خاصًا بتصنيف القاعات والعواميد بحسب التصنيف العلمي أو التاريخي أو المصدر.
وفي مداخلات طريفة، تطرَّق آل حرز والضيوف لعبارة “زمن الطيبين” وتداولها في مجالس اليوم، وكانت محور تجاذب بين مؤيد ومعارض لها، وأن لكل زمان طيبين وأشرار حسب معطيات الزمن وثقافته والمتاح له.
وأستدل الزاكي بكاتبة أمريكية وتجربتها تدريس مادة حب القراءة والاطلاع والرواية وفرصة نهل الطالب هذا الحب، وكيف حاولت إنتاج تجربة جديدة في مضمار هذا التعلم ونجاحها في تحول القاريء إلى مهوس بالقراءة، وفرصة الأجيال الناشئة للاطلاع على معارف مكتبة “جدل”.
وأوضح آل حرز أن زيارة المكتبة مفتوح لمجاميع الطلبة والمدارس. وأنه يؤرقه سبل استقبال هكذا ضيوف من جيل البراعم والشباب وعن المادة التي تقدم لهم.
وداخل الأديب إبراهيم الرواغة باستفسار عن الموروث الثقافي والتاريخي للمنطقة قبل نشوء الدولة السعودية الأولى: هل من مخطوطات أو معارف تدل على قديم البلد ؟ ورد الضيف بللأسف أنه لا يوجد في البلد كتاب تاريخ آنذاك إلا ممن قدموا من خارج المنطقة مثل (مسافر خانة) ووزارة الخارجية البريطانية في رحلات مختلفة، أو رسائل شفاهية من أعلام البلاد وبعض الوصايا.
وكان الشاعر اليوسف قد أشار للدواوين الشعرية في المنطقة وللتاريخ العثماني وما كتبوه عن المنطقة، وأوضح آل حرز أنه ربما يكون هناك إرثًا عثمانيًا ضخمًا محفوظًا لدى الأرشيف العثماني و(دفتر نامه) في تركيا الواصل لـ 26 كم لو فُرِد على الرفوف، والذي يحتاج لمختصين وزمن للإنجاز.
وعن سؤاله حول اسم مكتبته “جدل” ، قال: له مغازٍ عدة أبرزها قوله تعالى ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل:125]، وسورة المجادلة في قوله عز وجل : ﴿قَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوجِهَا وَتَشتَكِي إِلَى اللَّهِ}
وأختتمت الأمسية بتوجيه الشكر للحضور بينهم منتسبي (منتدى الفنار الأدبي بسيهات)، والدكتور جواد المرهون لإهدائه الضيف والحضور كتابه (التاجر الصغير). كما تقدمت إدارة النادي بدرع تقديري للضيف أ. علي آل حرز تعبيرًا عن الشعور تجاهه بالامتنان لما بذل من جهد رفعةً للوطن والساحة الأدبية والثقافية.